يُمثّل ضريح إيمَدْغاسن في بلدية بومية بولاية باتنة، شرق الجزائر، صورةً مصغَّرةً عن الوضعية المزرية التي يعيشُها عددٌ غيرُ قليل من المعالم الأثرية والتاريخية في مناطق مختلفة مِن الجزائر؛ فالضريحُ الأمازيغيُّ، الذي يعودُ تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد ويُعدُّ أقدَم ضريح ملكي أثري محفوظ في شمال أفريقيا، شهد على مدار السنوات الأخيرةِ تدهوُراً كبيراً دفع إلى تصنيفه مِن قِبل "الصندوق العالمي للمعالم" عام 2012 ضمن مئة موقعٍ أثري مهدَّد بالزوال في العالَم.
شُيّد الضريح، الذي يحمل اسمَ ملك نوميدي، وفق نمط العمارة النوميدية (نسبةً إلى نوميديا؛ وهي مملكة أمازيغية قديمة شملت أجزاء من الجزائر وتونس وليبيا)، وهو يأخذ شكل قبّةٍ عملاقة ترتفع على قاعدة أسطوانية تُحيط بها أعمدةٌ تيجانية. ويُمكن للزائر أن يُشاهد، بشكل واضح، الأضرارَ البالغة التي تعرّض لها المعلَم بفعل العوامل الطبيعية والبشرية؛ حيثُ تصدّعَت وانهارت أجزاءُ من قبّته وجدرانه وباتت مياه الأمطارُ تتسرَّب إلى داخله.
في 2002، قدّمَت الجزائرُ طلباً إلى "منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" (يونسكو) لإدراج المعلم ضمن "قائمة التراث العالمي للإنسانية" مع خمسةِ مواقع أُخرى، وهي الملفّاتُ التي لم تجرِ، منذ ذلك الحين، متابعتُها وتحديثُها ودعمُها بما يُعزِّر حظوظها. بالعكس من ذلك، أدّى تدخُّلٌ لترميم المبنى في 2006 إلى إلحاق أضرار جسيمة به. وكانَ لافتاً أن العمليةَ لم تُعهَد إلى جهةٍ مختصّة في الترميم، بل إلى "مديرية العمران والبناء" في ولاية باتنة، والتي استخدمت آلاتٍ خاصّة بالهدم.
أُعلن عن ترميم المعلم الأثري منذ 2012، لكنّ الأشغال لم تنطلق بعد
وفي 2011، عُهد بملفّ الترميم إلى ديوان تسيير واستغلال الممتلكات الثقافية الذي أعدّ دراستَين لترميم الضريح وحمايته، وكان مبرمجاً أن تنطلق الأشغالُ مع بداية السنة التالية، لكنَّ ذلك لم يحدث، وجرى الاكتفاء بتعزيز المبنى بأعمدةٍ مؤقّتة ستتعرّض للتآكل هي الأُخرى، وبسياجٍ أحاط بالموقع الممتدّ على مساحة 500 متر مربّع، والذي كان يضمُّ أيضاً عشرة أضرحة أمازيغية تتوزّع في محيط "إيمدغاسن".
خلال زيارةٍ لها إلى باتنة قبل أيام، أعلنت وزيرة الثقافة الجزائرية، صورية مولوجي، أنّ وزارتها ستشرع، نهاية الشهر الجاري، في إجراء "دراسة خبرة" للضريح، بالتنسيق مع "صندوق التراث العالمي" وخبراء من الولايات المتّحدة الأميركية، من أجل الانطلاق في أشغال ترميمه وصيانته. ومن جهة أُخرى، قالت إنّ الوزارةَ تعمل على إيجاد حلّ تقني لأشغال طريقٍ يُنتظَر أن يمرّ بمحاذاة الطريق، مشيرةً إلى "ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المحافظةَ على الممتلكات التراثية والمواقع الأثرية من دون عرقلة المشاريع التنموية".
هل ستكون تلك بدايةً جدّية لترميم الضريح؟ علينا أن نتذكّر أنَّ وزيرة الثقافة السابقة، مليكة بن دودة، أعلنت، خلال زيارة لها إلى باتنة قبل أكثر من سنتَين، عن تخصيص 15 مليار سنتيم لترميم المعلم التاريخي، وأنّها "أسدت" تعليماتٍ بـ"اتخاذ إجراءات استعجالية لترميمه" و"أمرت" بتشكيل فريق تقني يشرف على عملية الدراسة والترميم. ماذا حدث بعد كلّ ذلك؟ عادت الوزيرةُ إلى مكتبها في العاصمة وبقي الضريح على ما كان عليه.