"سيميائيات الخطاب الاجتماعي": تأصيل عربي

15 نوفمبر 2021
من عمل لـ محمد عبلة/ مصر
+ الخط -

في معظمها، ترتبط المباحث السيميولوجية عربياً بالأدب والفن، على الرغم من انفتاحها على كل الأشكال التواصلية كما يبدو ذلك في توظيفها طيف مفاهيمها الواسع لو نظرنا إلى مشهد تطبيقات السيميولوجيا في مجمل المشهد البحثي العالمي.

يأتي كتاب "سيميائيات الخطاب الاجتماعي: دراسة نظرية وتحليلية" الصادر مؤخراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" للباحث المغربي عبد المجيد نوسي ليقدّم طرحاً عربياً لانفتاح المعرفة السميولوجية.

نقرأ من تقديم الناشر أن العمل "يحاول إغناء الأنموذج السيميائي وتوسعته من خلال تحليل الخطاب الاجتماعي الذي يقدم معرفة اجتماعية ويستحضر الإنسان موضوعًا له، فعلى الرغم من أن الخطاب الاجتماعي حظي باهتمام نظريات تحليل الخطاب التي ازدهرت في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، خصوصًا منها الدراسات المعجمية والآلية والمعجمية الإحصائية، حيث تم تحليله في ضوء الحقول المعجمية والتواردات المعجمية ونسبة الترددات، فإن الرؤية الشمولية للخطاب لم تحضر في هذه المقاربات (...) إن الخطاب من هذا المنظور لا يُعدّ ناقلًا لإرسالية فحسب، لكنه يصبح فضاء للتفاعل بين الذوات الفردية والجماعية (السلطة/ المعارضة)، قائمًا على دينامية العلاقات والقيم (التحديث، التنوير)، مستندًا إلى استراتيجيات داخل حقل السلطة (الإقناع/ التسخير)، ليست السلطة كأيديولوجيا لكن الشكل الذي تتوارى خلفه الأيديولوجيا".

يعمل الباحث على الإجابة الكيفية عن الأسئلة المحورية الآتية: كيف يمكن الاستناد إلى السيميائيات السردية في اتجاه إغناء سيميائيات الخطاب الاجتماعي؟ وكيف يمكن تحليل الاشتغال الشمولي للخطاب بهدف استنتاج "المعنى الاجتماعي"؟ وما الآليات والأدوات المنهجية التي تشيد هذا البناء النظري والمنهجي؟

كتاب عبد المجيد نوسي

يسير الكتاب في اتجاهين: نظري وتحليلي. يقف الأول عند مفهوم الخطاب بصفته كلًا دالًا، مشكَّلًا من مكونات عاملية وخطابية، منجزًا في علاقته بالتلفظ والخطاب الاجتماعي الذي يمثل المنجز بخصائص خطابية تُنمْذج الخطاب السياسي والاجتماعي والبيداغوجي والقانوني والتاريخي وغيرها من أجناس الخطاب الاجتماعي.

أما الاتجاه الثاني، فهو تحليليّ باستثمار المفاهيم النظرية والإجرائية للوقوف عند الاشتغال الشمولي لمكونات الخطاب بهدف توليد الدلالة، فالخطاب الاجتماعي يتمظهر من خلال الأفعال والوقائع، وكل فعل يعدّ دالًا يحمل آثار المعنى، ومن ثم مشروعية التفكير السيميائي في الخطابات الاجتماعية.

يستند المؤلف في التأسيس المنهجي لمفهوم الخطاب إلى منظورين: يتمثل الأول في التوجه النظري الذي بلورته السيميائيات السردية، حيث نظرت للخطاب بصفته كلًا دالًا يتحقق من تعالق المكونات الخطابية والتركيبية والدلالية، وشيدت بذلك أنموذجًا تمثّل في المسار التوليدي الذي يعدّ هندسة للمكونات؛ ويتجسد الثاني في مفهوم الخطاب الاجتماعي عند مارك أنجينو Marc Angenot الذي استند إلى مفاهيم كبرى تجد مرجعية لها في النقد الشكلاني وجماليات الرواية كما وصفها ميخائيل باختين Mikhael Bakhtine والدراسات التناصية الغربية والفلسفة الماركسية لصوغ تصور يدرس "الخطابات اللحظية" التي أنجزت داخل "حالة مجتمع". لذلك، يُعتبر الخطاب الاجتماعي كل ما ينجز داخل الفضاء العمومي، بناءً على التزام الذات المنتجة للخطاب، وعلى علاقات التفاعل بين الذوات المؤسسة للخطاب.

ووقف المؤلف، أيضًا، عند النماذج التي قاربت الخطاب الاجتماعي في تفريعاته المختلفة بحسب الخصائص التيبولوجية والخطابية. وحاول، إضافةً إلى اعتماد الأمانة العلمية في العرض، أن يصوغ إشكاليًّا الأسئلة التي تهم العلائق بين النماذج النظرية من حيث الأصول واللغة المفاهيمية.

في هذا السياق، تعرّض المؤلف لأنموذج إريك لاندوفسكي Eric Landowski الذي تتحول عنده سيرورة الحياة السياسية إلى "فرجة" تشيد على أساس مجموعة ترهينات وسائطية، مثل الرأي العام ولسان حال الرأي العام والصيرورات السيميائية، وتصوُّر خوان ألونسو ألداما Juan Alonso-Aldama، الذي قدّم أنموذجًا لدراسة كليات الخطاب السياسي، مثل الهوية والشعبوية، وأنموذج السيميائيات التوترية لجاك فونتاني Jacques Fontanille، وأنموذج برنار لاميزيه Bernard Lamizet الذي يعتبر أنّ لحظية العلامة أو النص أو الملفوظ داخل الفضاء العمومي تتضمن حضور الذوات المتلفظة والأفعال داخل الفضاء العمومي ببعديه الزماني والمكاني، وأنموذج دنيس برتران Denis Bertrand الذي اقترح أنموذجًا لدراسة آلية العقد، وآليات سيرورة بناء الثقة بين أطراف التبادل والتواصل في الخطاب الاجتماعي.

يأتي القسم الثاني تحليليًّا، يضع المفاهيم النظرية والإجرائية التي قدّمها الكاتب من منظور إشكالي على محك التحليل، بالوقوف عند الاشتغال الشمولي للخطاب. وتكمن طبيعة هذه المقاربة في تحليل مكونات الخطاب واشتغالها بهدف توليد الدلالة وتبلورها. وحلّل المؤلف في هذا القسم مكونات المتن التي تم تحديدها، حيث تناول بالدراسة الخطاب السياسي والخطاب البيداغوجي والخطاب القانوني والخطاب المعرفي - الاجتماعي والخطاب التاريخي ثم خطاب التنوير.

يندرج هذا الكتاب ضمن جهود مؤلفه في تأصيل البحث السيميولوجي عربياً، وقد صدر له في هذا الإطار كتاب بعنوان "التحليل السيميائي للخطاب الروائي" (2002)، كما ونقل إلى اللسان العربي كتاب "سيمياء الكون" ليوري لوتمان (2011)، و"سيميائيات السرد" لألجيرداس جوليان غريماس (2018).

المساهمون