"زائر لتراث الأدب": البُعد الاجتماعي في رسائل المعرّي

23 ابريل 2022
جزء من لوحة للفنان محسن غريب
+ الخط -

تقاطعت في شخصيّة أبي العلاء المعرّي، الذي عاش في منتصف القرن الخامس الهجري، رؤى وأفكار مختلفة عمّا كان سائداً في عصره، وقد وقف النقّاد طويلاً عند شعرِه والنزَعات الفلسفيّة الطابع التي تخلّلته. 

لكنّ الجانب النثري الذي تجلّى في رسائله، لا يقلّ شأناً عن أعماله الأُخرى، إذ شحنَه بمواقف اجتماعية تبيِّن مدى التّفاوت الحاصل بين النّاس وأسبابه، كما أبرزَ أشكال الظّلم اللّاحقة بالفئات المستضعفة، ولو أنّه ظلّ مُصرّاً على تغليف مقاصده تلك، بلُغة صعبة منعت غير المختصّين، من اكتشاف عبقريّته الفريدة.

هذه الإشكاليّات من أدب المعرّي، كانت موضوع الحلقة الثالثة من مبادرة "زائر لتراث الأدب" التي ينظّمها "الملتقى القطري للمؤلّفين" وعُقدت أوّل أمس الخميس. عرَض الحلقة الباحث رضوان منيسي عبدالله، عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية في "جامعة قطر"، وقد وقع اختيارُه من بين مؤلّفات المعرّي على رسالة "الصّاهل والشّاحج".  

أوضحَ عبدالله ما في الرسالة من لغة مُبطّنة بالرمزيّة، كثّفتِ الواقع الاجتماعيّ للعصر الذي عايشه المعرّي. وإنْ كانت معالم الانحدار قد بدأت بالظهور، فإنّ الأديب قد استشرفها مُبكّراً، وسخِر من المصير الذي آلَت إليه الأمور. عليه، اتخذ حكيم المعرّة ممّا يُسمّى في التراث بـ"عام الجَفلة في حلب"، الموافق لعام 411 للهجرة، حدثاً تاريخيّاً وسياسيّاً ليبني نصّه الأدبي عليه. 

شهد ذلك العام، أزمة تجلّت بتهديد إمبراطور الروم بغزو مدينة حلب والسيطرة عليها، وهذا ما اقتنصه صاحب الرسالة، لا ليستعير عن "الصاهل" (الحصان)، و"الشاحج" (البغل)، صوتيهما، إنّما ليدلّل على المقام الاجتماعي لأصحاب الأصوات المسموعة، مقابل أولئك الذين لا تُسمَع شكواهم ولا يُلتفت إليهم. 

أشار الباحث خلال النّدوة، إلى أنّ الرسالة ظلّت مستغلقة الفهم لما فيها من كلمات معجميّة غريبة، بيد أنّ المعرّي اعتنى بعَمَله من ناحية الاستشهاد بالشعر الجاهلي والعبّاسي، ومزَج بين صنوف أدبية شتّى كالمقامة والحكاية واستعان بالأمثال، الأمر الذي أكسب "الصّاهل والشاحج" أهمية أدبية واجتماعية ما زالت قائمة إلى يومنا هذا. 

المساهمون