"رسومات" محمد بن سلطان: عن الحب وكائناته العجيبة

13 ابريل 2022
من المعرض
+ الخط -

لعلّ أوّل عنصر يمسك به مشاهد لوحات الفنان التشكيلي التونسي محمد بن سلطان (1977) هو الكائنات الغريبة التي تسكن لوحاته، تلك الكائنات التي تعيد تركيب الواقع، أو بالأحرى تشظيته. وحين تفعل ذلك، فهي تسخر من كل شيء أو تجعل اللوحات تفعل ذلك.

تحضر مجموعة من أعمال بن سلطان حتى الثامن عشر من نيسان/ أبريل الجاري في "غاليري مكتبة فارانايت" بتونس العاصمة في معرض بعنوان "رسومات"، انطلق في الثاني عشر من آذار/ مارس الماضي، وهو معرض يمكن القول بأنه بقي في الظل، على مستوى الاهتمام الإعلامي، على الأقل مقارنةً بمعارض سابقة للفنّان التونسي، ربما لتزامنه مع فترة سياسية ساخنة، ومع شهر رمضان الذي تحضر فيه أشكال ثقافية أُخرى على حساب الفنون التشكيلية. ولولا فسحة مواقع التواصل الاجتماعي لبقيت اللوحات المعروضة بعيدة عن التوثيق وتلقّي متابعي الفن التشكيلي.

لا تحتمل لوحات بن سلطان ألواناً كثيرة، فهي في معظمها مكوّنة من لون واحد مع خطوط سوداء على مساحة بيضاء، وهو ما يوحي بأنّ الفنان يُصرّ على أن يعتمد أبجديةً بصرية متقشّفة. غير أن متابع مسيرته الإبداعية طوال قرابة عقدين تقريباً من الإنتاج الفنّي سيقف على قدرة محمد بن سلطان على التنويع والابتكار اجتراح تخريجات جديدة من نفس العناصر القديمة، وخصوصاً استخراج المعنى (الساخر معظم الأوقات) من مفردات قليلة للغاية، وقد استطاع أن يقدّم بها رؤية مختلفة تتجدّد في كلّ مرة وتستطيع أن تلامس موضوعات عديدة.

يشتغل على ثيمة الحب من خلال الكائنات الغريبة التي تسكن لوحاته

أكثر من المكوّنات البصرية التي تحتملها اللوحة الواحدة، يعتمد بن سلطان في معرضه الجديد على بناء المعنى، عبر تركيب مجموعة لوحات، تكون قريبة - من حيث منطق البناء - من بعضها البعض، ذلك حال ستّ لوحات مصغّرة تُعرض مع بعض على مستويَين، في الأعلى ثلاث لوحات من الخطوط البيضاء تتخلّلتها لمسة صغيرة من الأحمر، وتحتها ثلاث لوحات يعتمد فيها المنطق البصري الذي عُرف به، وهو اقتراح مَشاهد ووضعيات للكائنات العجيبة التي يخترعها، وكأنه يصوّرها في حياتها اليومية.

تحضر في المعرض، أيضاً، تشكيلة من ثلاثة أعمال ليست محاملها لوحات هذه المرّة، وإنما أشكال دائرية هي إلى الصحون أقرب، تظهر فيها كائنات بن سلطان في لحظات التآلف بين المحبّين، في وضعيات ليس ما نعرفه في العادة من وضعيات التقبيل، وما يميّز كائنات المعرض الحالي هو تطويل شفاهها وكأنها لم تعد جزءاً من جسد الشخصيات، بل إنّ الشفاه كائنات مستقلّة بذاتها.

تحضر ثيمة الحب بشكل أكثر وضوحاً في لوحة تظهر فيها مفردة "حب" لخمس عشرة مرّة، بشكل تتلاصق فيه الكلمات وكأنها تكوّن مفردة واحدة مكتوبة على خمسة أسطر. يظهر في اللوحة كائنان يجمعان بين خصائص البشر والطيور، وبذلك يبدو محمد بن سلطان وكأنه يُشظّي حتى الكائنات العجيبة التي سبق وأن اقترحها.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون