يُضمّن الشاعر والفيلسوف الفارسي ناصر خسرو (1004 - 1088 م)، في كتابه "سفر نامه"، مخطّطاً للمسجد الأقصى، الذي زاره في رحلة طاف خلالها مدناً عديدة في بلاد الشام ومصر، حيث يفصّل المخطّط عناصره المعمارية ويفيض في شرح جمالياتها ووظائفها.
كتاب خسرو يجاور العديد من المؤلّفات والخرائط والرسومات والصور التي توثّق تاريخ فلسطين بين عاميْ 1610 و1930، ويحتويها معرض "ذكريات جميلة عن فلسطين" الذي افتُتح في العشرين من الشهر الماضي في مكتبة "متحف الفن الإسلامي" في العاصمة القطرية ويتواصل حتى نهاية أيلول/ سبتمبر المقبل.
المعرض الذي يندرج ضمن فعاليات "الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي 2021"، يضيء أكثر من ثلاثة قرون وُضعت خلالها مئات الكتب حول القدس والعديد من المدن الفلسطينية، تعبّر عن اهتمام العلماء والأدباء المسلمين في لحظة تحرّر هذه الحواضر من قبضة الأوروبيين مع بقائها جزءاً من أطماعهم الاستعمارية التي عكستها كتابات رحّالتهم وفنانيهم وقادتهم العسكريين.
تتبعٌ للتغيرات التي عرفتها القدس واختلاف صورتها في كتب الرحّالة
"اتحاف الأخِصَّا بفضائل المسجد الأقصى" عنوان الكتاب الذي تختلف الروايات في تحديد اسم مؤلّفه، لكنّ أكثرها ترجيحاً تنسبه إلى محمد السيوطي، الذي يمزج فيه بين وقائع شخصية عاشها في زيارته للمسجد، وبين إيجازه تاريخ المكان وعمرانه في حقب مختلفة، ومكانته في الإسلام والمرويات الدينية، في مجلّدين كبيرين وُضعا في بداية القرن الخامس عشر، وتحتفظ مكتبة المتحف بنسخة محقّقة منه.
في قسم "مناظر القدس"، يتتبّع المعرض التغيّرات التي طرأت على المدينة المقدّسة من خلال مقارنة الصور المختلفة المعروضة في كتب الرحّالة الأوروبيين، بدءاً من مخطوطة بالتزار غيران عام 1610، مروراً بكتب "الحجّ الحقيقي إلى الأراضي المقدّسة" (1615) لـ سيور دي فيرغونسي، و"رحلة من البندقية إلى الأراضي المقدّسة وجبل سيناء" (1781) لـ نووي بيانكو، و"رحلات دون أكويلانتي روتشيتا إلى الأراضي المقدّسة ومقاطعات أخرى" (1630) لـ أكويلانتي روتشيتا، و"أحجار فلسطين: ملاحظات عن نزهة عبر الأرض المقدّسة" (1865) لـ أوغوستا موت.
يُتيح المنظّمون تنزيل نسَخ رقمية من هذه المخطوطات لزوّار المعرض على موقع "متاحف قطر" الإلكتروني، وفيها يلاحَظ اعتناءُ أصحابها بأدقّ تفاصيل القدس من شوارع وأسواق ونوافير ودور عبادة، بالإضافة إلى سورها وبوّاباتها، حيث تبرز التوسّعات والتطوّرات في المدينة من خلال المقارنة بين الرسوم والخرائط التي تحتشد بها هذه الكتب.
أمّا قسم "المساجد"، فخُصّص للمساجد والمصلّيات الثلاثة في البلدة القديمة، وهي الأقصى والقبة اللذان بُنيا في القرن السابع الميلادي، ومسجد عمر بن الخطاب الذي يعود إنشاؤه إلى عام 1193، حيث تُعرض مؤلّفاتٌ عدّة أفردَ كُتّابها الأوروبيون لوحات فنية وصوراً فوتوغرافية للمعالم الثلاثة، ومنها "تلك الحقول المقدّسة: فلسطين" (1874) لـ صموئيل مانينغ، و"تلال وسهول فلسطين" (1860) لـ لوسي ماتيلدا كوبلي، و"استكشاف القدس" (1864) لـ إرميت بييروتي، و"يمشي في فلسطين" (1888) لـ هنري أ.هاربر، و"كتاب فلسطين الحديثة للبنين والبنات" (1916) لـ ريتشارد بينليك.
يعرض قسم "داخل قبة الصخرة" رسومات توضّح فنون العمارة الإسلامية في المصلّى، وهيئة المصليّن فيه، كما تناولها كتابان بعودان إلى ثمانينيات القرن التاسع عشر، وهما "فلسطين الخلّابة وسيناء ومصر" لـ تشارلز ويليام ويلسون، و"رسائل مكتوبة إلى الوطن: خلال جولة مدّتها تسعة أشهر" لـ فريد بيكر، اللذان اعتمدا بشكل أكبر على الفوتوغراف، بعد أقلّ من عقدين على اكتشافه، حيث تمّ إرسال العديد من البعثات الأوروبية التي كانت مهمّتها الأساسية توثيق مدن فلسطين بالصور.
ويحتوي قسم "خرائط" على مجموعة من مخطّطات وخرائط القدس من أرشيف مكتبة المتخف، والتي تعود أقدمها إلى عام 1670، ورسَمَها عدد من الرحّالة الغربيين من أمثال جاك فلوران غوغون وشارلز وارن وألكسندر ر. كوري، كما يعرض قسم "التقاليد والأطعمة والأزياء" نماذج من الملابس والإكسسوارات المطرّزة التقليدية، والتراث الموسيقي والمطبخ.