عن "سلسلة ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدرت حديثاً النسخة العربية من كتاب "دليل أكسفورد للنظرية السياسية" الذي يضمّ مجموعة دراسات لمُنظّرين سياسيين حرّرها جون س. درايزك، بوني هونيغ، آن فيليبس؛ بترجمة بشير محمد الخضرا، ومراجعة عمر التل.
تعرف النظرية السياسية منذ فترة طويلة بأنها أحد الفروع الرئيسة للعلوم السياسية، وقد نشطت في السنوات الأخيرة في اتجاهات مختلفة، بحسب الكتاب، حيث يدور التحليل النصي الوثيق للنصوص التاريخية مع العمل التحليلي حول الطبيعة والأسس المعيارية للقيم السياسية، وحيث تتنافس التأثيرات القارية وما بعد الحداثة مع التأثيرات من الاقتصاد والتاريخ وعلم الاجتماع والقانون. علاوة على ذلك، تحث الاهتمامات النسوية المعاصرة على النظر إلى المشكلات القديمة بمنظار جديد، كما تفتح تحديات التقنيات الجديدة آفاقًا جديدة لهذا الحقل.
يوفر هذا الدليل تغطية شاملة وحاسمة للحقل الحيوي والمُتنازَع عليه للنظرية السياسية، ويساعد في وضع جدول أعمال له يمتد سنوات. ويحتوي على خمسة وأربعين فصلًا من تأليف عدد من المنظّرين والباحثين السياسيين، كلٌّ في مجال تخصصه، يبحثون في النظرية السياسية: كيف كانت في الماضي القريب، وإلى أين يمكن أن تتجه، وماهية جوهرها، وسياق عولمتها، والتحديات التي تطرحها التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية.
في عام 1909، أعلن وليام جيمس "أن هيبة المُطلق تكاد أن تتقوض بين أيدينا". أضحت النظرية السياسية، بعد قرن من الزمن، تنظر إلى التعددية الأخلاقية والأدبية والثقافية على أنها أمر مستوطن، أو حقيقة سياسية تجريبية لا يمكن إنكارها.
يحتوي على خمسة وأربعين فصلًا من تأليف عدد من المنظّرين السياسيين
ساهمت أجيال من التعدديين بالتنظير بشأن الطرائق التي تُقوّض النزعتَين الكلية والواحدية في كل من النظرية والممارسة السياسيتَين. وفي حين لم تنجح النظرية التعددية في مجال سياسي شهد إنعاشًا لتركيز الاهتمام بالكلية، فإنها تخيلت مسارات كثيرة لتطوير القبول بمختلف القيم والثقافات وطرائق العيش. يضاف إلى ذلك أن المخيال التعددي تغلغل في التاريخ المعاصر للنظرية السياسية من خلال توجيه الاهتمام إلى تطوير طرائق للتعاطي الأصيل مع الاختلاف. ويرى وايت حقل النظرية السياسية "مضطرًا إلى الاشتباك مع التعددية اشتباكًا أعمق وأكثر اتساعًا من أي وقت مضى. وتبعًا لذلك، يجب أن ننهمك أكثر باستقصاء روح الجماعة والاستراتيجيات التي ينبغي أن تُحيي هذه المغامرة وتُرشدها". يجادل غونيل، في الاتجاه نفسه، قائلًا إن مُحاباة التعددية تتخلل النظرية السياسية وتنتشر فيها بعمق، والنظرية السياسية، في الحقيقة، "موطنٌ" لتلك المحاباة، والإرث الخطابي لذلك الحقل.
من الاهتمامات المركزية لهذه المدرسة الفكرية الأمران الآتيان: الاعتراف بالأساس التجريبي والاختباري للتعددية الثقافية والتعددية الأخلاقية، ومخطط التعاطي السياسي مع ذلك الاختلاف. ولم تكن الواحدية التحدي الوحيد أمام التعددية. ففي كثير من الأحيان طغى الخطاب الرئيس الآخر للنظرية السياسية - أي الليبرالية - على الباعث التعددي، وعمد جانب كبير من النظرية التعددية المتأخرة إلى تفحص التفاعل بين هاتين المدرستين الفكريتين. ومن الأمور المركزية للمناقشات في هذين الجانبين الطبيعةُ الإشكالية للاعتراف بالاختلاف، والطرائق المتخيَّلة التي اقترحها التعدديون للتعاطي مع تلك المعضلة.
ما يميّز النظرية السياسية على نحو خاص من فروع العلوم السياسية هو أنها الفرع الوحيد الذي تخصص في فحص القضايا المعيارية المتصلة بالحياة السياسية ودراستها أكثر من كونه مهتمًّا بتوضيح المفاهيم والقضايا المنهجية الأخرى، وهذه خاصية يتحلى بها معظم المساعي التخصصية الأكاديمية. وفي حين تركّز الفروع الجزئية الأخرى في العلوم السياسية على قضايا التفسير والوصف، تتعامل النظرية السياسية مع الحقوق والواجبات التي تلحق بالمواطنين خصوصًا، لكن ليس على نحو حصري إطلاقًا، وما يتعلق بعمل الحكومة. تتعاطى النظرية السياسية مع هذه القضايا بطرائق متنوعة، متراوحةً بين تفسيرات النصوص المعتمدة وتقصي تحليلات الاختيار العقلاني، لكنها تُعنى في المقام الأول بالطريقة التي يجب أن تعمل بها السياسة، وليس بكيفية عملها الفعلي في المجتمعات المعروفة.
على الرغم من أنه ليس صعبًا جدًّا العثور على مكان للنظرية السياسية في تلك الصورة من تقسيم العمل الأكاديمي، فإن موقع النظرية الاجتماعية ليس بهذا الوضوح. يُستعمل اصطلاح النظرية الاجتماعية أحيانًا بحيث يغطي الأنواع الكثيرة من النظرية الممكن وجودها في العلوم الاجتماعية التجريبية، وبصفة أخص في السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا.
إن أهم فرق بين النظرية السياسية التقليدية والنظرية الاجتماعية التقليدية يخصّ العلاقة بين القضايا المعيارية والقضايا الوصفية في تحليل الحياة الاجتماعية/ السياسية، فمعظم المنظّرين السياسيين، وليس كلهم، يركز على المجموعة الأولى من هذه القضايا (المعيارية)، بينما يعتقد المنظرون الاجتماعيون عمومًا بأن الجانبَين من التحليل لا يمكن فصلهما. ولهذا السبب جزئيًا، يعتبر معظم علماء الاجتماع أن النظرية السياسية فرعٌ من النظرية الاجتماعية.
تسيطر في كلا النظريتَين فكرة شخص الإنسان التي ليست محض تركيب ذهني معرفي أو ثقافي بل تركيب ذهني سياسي أيضًا. ومن ثم سوف يستمر هذا الشخص - والنظرة التطورية والنخبوية إلى الإنسانية التي يعززها - في تشكيل الفكرَين السياسي والاجتماعي، في حين يستمر النظام الراهن للدول والمجتمعات وأشكال الحكومات التي تعمل ضمنها، وفوقها، وخلالها في الهيمنة على الحياة السياسية والاجتماعية.