"حياة البالغين الكاذبة".. ماذا حدث لإيلينا فيرانتني؟

26 أكتوبر 2020
من ساحة الكاتدرائية في ميلانو (Getty)
+ الخط -

في روايتها الأخيرة "حياة البالغين الكاذبة"، الصادرة ترجمتها الإنكليزية عن Europa Edition بداية أيلول/ سبتمبر الماضي، تأخذنا إيلينا فيرانتني، الكاتبة الإيطالية مجهولة الهوية، إلى عوالِم مراهِقَتِها جوفانا، من خلال مشاهد تبدو مبتورة وضئيلة من حيث الجودة والمبنى الفني مقارنةً برائعتها الشهيرة "رباعية نابولي" التي صدرت على أجزاء في الأعوام السابقة (صدرت بالعربية بترجمة معاوية عبد المجيد عن "الآداب").

تبدأ الرواية على لسان بطلة مراهقة تُدعى جوفانا تعاني من أزمات اجتماعية وعائلية، حين يقارنها والدها بعمّتها القبيحة، وتتطوّر الأحداث وصولاً إلى منطقة يختلّ فيها السرد، وتبقى الأحداث عالقةً مكانها ولا تأخذ المجرى الطبيعي لتطوّرها. لا تعالج فيرانتي قضية المراهقة من خلال مشاكل نفسية مبنية على أسس متينة، وكأنها تقول للقرّاء: "خذوا هذه مراهقتي تُدعى جوانا، تبحث عن الحب والجنس وذاتها، سأدعها وحدها تمرح في هذا الكون". ومن هنا تظهر شخصية جوانا مسطّحة ومهلهلة فنياً، وكأنها تمشي على الورق دون أقدام.

ممّا لا شك فيه أن فيرانتي تمتلك لغة جميلة، لها إيقاعها الخاص البطيء والجاذب والسهل من حيث القراءة والصعب من حيث الكتابة، لكن اللغة وحدها لا تشفع لها تراجعها في المستوى من حيث المبنى الفنّي العام لهذه الرواية. ويبدو لنا أن مشكلة فيرانتي في هذا العمل، وفي الأعمال القصيرة عامةً، أنها تُخفق في ما تريد قوله في صفحات قليلة، أي أنّ الصور الفنية في كتاباتها تحتاج إلى مدى أوسع، ولا تكتمل دون ذلك المدى الكافي الذي توفَّر لفيرانتي في"رباعية نابولي".

ما الداعي لكتابة عمل بهذه الجودة المنخفضة بعد ملحمة كبيرة؟

أمّا في "حياة البالغين الكاذبة"، فالمشاهد مبتورة، مقموعة من الجذور، لغة جميلة ومشاهد تبترها فيرانتي دون مراعاة المتطلّبات الفنية لخطها السردي الخاص، ناهيك عن الشخصيات الهشّة، التي تتركها غالباً على السطح.

أمّا الحوار ففيه تكرار يصبح مزعجاً في مواقع كثيرة: هو ذكي، أنا لست ذكية، أنا قبيحة، أنا لست ذكية، هو أذكى مني". حوار مكتوب تقريباً بطريقة أدب الفتيان (young teen)، وليس حتى أدب اليافعين (young adult). والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الداعي لكتابة عمل بهذه الجودة المنخفضة بعد ملحمة كبيرة من كاتبة أثبتت وجودها وتفرّدها على خريطة الأدب العالمي؟

"حياة البالغين الكاذبة" ليست بالرواية السيئة جداً، لكن لا جديد فيها من حيث المبنى الفني والمضمون والجرأة، حكاية طفلة مراهقة بإمكان أي كاتب من الكتّاب المختصين بأدب اليافعين كتابتها. ولو كتبت فيرانتي على الغلاف أنّ روايتها رواية يافعين أو رواية فتيان لسقط كلّ نقدنا هذا.

لا نعرف كيف نفسر تراجع عملها الأخير؛ فهل "حياة البالغين الكاذبة" مجرّد رواية ضعيفة أم هي عودة فيرانتي وحنينها إلى عملها "أيام الهجران" الصادر عام 2002 الذي يشبه كثيراً "حياة البالغين الكاذبة" من حيث الأسلوب؟ أم أن الذائقة العامة أصبحت لا تحتمل أدباً جاداً، وللسوق متطلبات تجارية بحتة تعبّر عنها أعمال مثل Little Fires Everywhere وThe Discomfort of Evening الفائزة بجائزة "البوكر" هذا العام؟


* كاتب من فلسطين

موقف
التحديثات الحية