قليلة هي السلاسل التي تطلقها دور النشر العربية وتهتمّ بالروايات، وفي ظل وضع كذلك يمكن الاستناد إلى الترجمة، وقد مثّلت سلاسل مثل "سلسلة الجوائز" عن "الهيئة العامة للكتاب" في مصر أو "مكتبة نوبل" عن "دار المدى" العراقية، نماذج عن هذه المحاولة.
تجربة جديدة في هذا التوجّه تخوضها منشورات "المتوسّط" مع إطلاق سلسلة بعنوان "حكايات المافيا"، وقد صدرت منها أخيراً ثلاث روايات من تأليف الكاتب الإيطالي ليوناردو شاشّا وبترجمة عرفان رشيد.
نقرأ من تقديم دار النشر لهذه التجربة: "سلسلة تقوم على ترجمة أعمال روائية وسيرية تناولت ظاهرة المافيا وحاولت فهمها عن قرب، لما لها من أثر كبير في الحياة الاجتماعية، ليس في إيطاليا وحسب، بل في دول كثيرة من العالم مثل الولايات المتحدة والصين واليابان وتركيا وغيرها من الأمم التي تأسّست فيها مافيات على النمط الإيطالي، لكن بأسماء وبُنيات مختلفة".
يعدّ شاشا أحد أجرأ من كتبوا عن المافيا، إذ إنه كشف أساليبها وألاعيبها وعرّى عمق تغلغلها في المجتمع الإيطالي. ولكن شاشا لم يكن مجرّد كاتب عن أدب الجريمة بل هو أحد أبرز أسماء السرد الإيطالي حيث حرص على كتابة الرواية البوليسية في إطار أدب رفيع المستوى، وقد قال عنه الناقد الإيطالي ألبيرتو أسور روزا عند رحيله: "بعد اختفاء بازوليني وإيطالو كالفينو، فإن رحيل ليوناردو شاشّا يُغلق مرحلة من مراحل الأدب الإيطالي في القرن العشرين".
روايات الدفعة الأولى من السلسلة، هي: "لكُلٍّ ما لَهُ" وقد صدرت عام 1966، وهي مراوحة بين الرواية البوليسية ورواية الاحتجاج المَدَنيِّ. وفيها يتناول شاشا قصَّة الفساد في بلدة في جزيرة صقلِّيَّة الإيطالية حيث لا قانون هناك غير قانون المافيا.
أما الرواية الثانية، فهي بعنوان "حكاية بسيطة" ونطلق فيها شاشا من اتِّصال هاتفي بقسم الشرطة، ينقل رسالة غامضة، توحي بانتحار أحدهم، ثمَّ تبدأ الأحداث بالتسارُع والتوسُّع والتشابُك بين الاحتمالات.
وتتحدّث رواية "نهار البومة" عن مقتل رجل بالرصاص، وهو يركض لِلَّحاق بالحافلة في ساحة بلدة صقلِّيَّة الصغيرة. لن يشهد أحدٌ ممَّنْ كان في الساحة على مقتله، وهذا ما سيُشكِّل تحدِّياً كبيراً للنقيب بيلُّودي، والذي سيُحال له التحقيق بالجريمة. لكنْ، سرعان ما ستصطدم تحقيقات النقيب، الجديد في عمله، والذي يسعى لإثبات جدارته، بجدران هائلة من الصمت والمصالح الشخصية. يشكُّ بيلُّودي في المافيا، وتكبر شكوكه عندما تنعطف الأمور، وتتوالى الجرائم البشعة، ويكتشف أن تحقيقاته كلَّها تحت مراقبة مراقبين من حوله، وعن بُعْد أيضاً. وكلُّهم يتشاركون شيئاً واحداً فقط، وهو مَنْع ظهور الحقيقة.