تضمّنت ترشيحات القائمة الطويلة لـ"جائزة أفضل كتاب شعري مترجم في أميركا لعام 2022"، والتي أُعلن عنها أمس، كتاب "تَعِبَ المعلَّقون" (Exhausted on the Cross بعنوانه الإنكليزي) للزميل الشاعر الفلسطيني نجوان درويش، التي صدرت في شباط/ فبراير الماضي نسختُه الإنكليزية بترجمة الكاتب والمترجم الأميركي من أصل مصري كريم جيمس أبو زيد عن دار نشر "نبويورك ريفيو بوكس"، بتقديم من الشاعر التشيلي راؤول زوريتا، الذي وصفها بأنها "تمثّل واحدة من ذُرى لحظات شعره، ومن ذُرى الكتابة في زماننا".
اشتملت القائمة الطويلة للجائزة التي تُطلقها منظّمة "قلم أميركا" (PEN America)، مجموعات شعرية لكّل من المكسيكية فاليري ميخير كاسو بترجمة ميشيل جيل مونتيرو، والبولندي جيرزي فيكوسكي بترجمة جينيفر جروتز وبيوتر سومر، والصينييْن ما يان (1979 - 2010) بترجمة ستيفن ناشف ودو دو بترجمة لوكاس كلاين، والألماني راينر ماريا ريلكه (1875 - 1926) بترجمة كريستوفر مينتا، والدنماركية أورسولا أندكير أولسن بترجمة كاترين أوغارد جنسن، والأرجنتينية سوزانا ثينون بترجمة ريبيكا سميث، والكورية لي سهو بترجمة سوجي، والسويدية ماري سيلكبيرغ بترجمة كيلسي فانادا.
وتندرج الجائزة التي سيعلن عن قائمتها القصيرة نهايةَ كانون الثاني/ يناير المقبل، ضمن إحدى عشرة جائزة تقدّمها المنظّمة سنوياً في فئات الرواية، والقصّة القصيرة، والترجمة، والشعر، والكتاب العلمي، والمقالات، والسيرة الذاتية.
وأوضحت كلاريس روساز شريف، مسؤولة مديري البرامج الأدبية في "قلم أميركا" أن هؤلاء المرشّحين للجوائز هم من "الكتّاب الأكثر تميُّزاً لدى جيلنا والجيل القادم"، مضيفةً أن "أسماءهم تثير ذكريات بعض أعمالنا المفضّلة على الإطلاق، والتي جلبت لنا الراحة خلال هذا العام الغريب". كما لفتت إلى أنَّ "أكثر من نصف العناوين المدرَجة في القائمة الطويلة تأتي من دُور النشر المستقلّة والجامعية، والتي لا يزال العديد منها يواجه تحدّيات كبيرة في سوق النشر اليوم".
ويتنافس كتاب "تَعِبَ المعلَّقون" لنجوان درويش ضمن فئة الكتاب الشعري المترجم، والتي تألّفت لجنة تحكيمها من كلّ من الشاعرة والفنّانة والمترجمة الإسبانية كارو كارتر، والشاعر والمترجم والموسيقي الدنماركي مايكل فافالا غولدمان، والكاتبة والمترجمة الإيرانية المقيمة في الولايات المتّحدة باريسا سارانج.
وقالت دونيكا بيتانين، مديرة برنامج الجوائز في المنظّمة أنَّ الكتّاب المرشَّحين "يقدّمون طُرُقاً جديدة لفهم القوى الثقافية والاجتماعية والسياسية التي نتصارع معها جميعاً اليوم، وتتحدّى أعمالُهم طرق التفكير التقليدية، وتكشف عن قصص غير مروية، وتُوفّر خارطة طريق لمجتمع أكثر عدلاً".
ويترشح "تَعِبَ المعلَّقون"، الذي صدرت نسختُه العربية عام 2018 عن "دار الفيل" و"المؤسّسة العربية للدراسات والنشر" للجائزة، التي منحت لأوّل مرّة سنة 1996، وتُرجمت المجموعة إلى الإنكليزية عن دار "نيويورك ريفيو بوكس" (بعنوان "مُرهَقون على الصليب"). وكانت الدار قد أصدرت مجموعة أُخرى للشاعر عام 2014 بعنوان Nothing More to Lose (عنوانها الأصلي بالعربية "استيقظنا مرّةً في الجنة") ترشّحت هي الأُخرى لجوائز عديدة، من بينها جائزة أفضل كتاب شعري مترجم Best Translated Book Award الأميركية لعام 2015، واختيرت ضمن قائمة NPR لأفضل إصدارات العام في الولايات المتّحدة لعام 2014، وكانت هي أيضاً من ترجمة كريم جيمس أبو زيد الذي يحمل درجة الدكتوراة في الأدب المقارن ودرّس الكتابة واللغة في عدّة جامعات بكاليفورنيا ونقل إلى الإنكليزية مؤلّفات لأدونيس وربيع جابر ودنيا ميخائيل وآخرين، ويعمل حالياً على إنجاز ترجمة جديدة للمعلّقات السبع.
يُذكر أن "تَعِبَ المُعلَّقون" حظي منذ صدور ترجمته بتنويهات عدّة، من بينها تصدُّرُه اختيارات فريق "مكتبة بولز" Powell's Books من عناوين هذا العام؛ إذ أبرزت عنوانَ الكتاب على واجهات فروع مكتباتها (الصورة أعلاه). وأشار تقديم فريق المكتبة، التي تُعتبر أكبر سلسلة مكتبات مستقلّة للكتب الجديدة والمستعمَلة في الولايات المتّحدة، إلى أن "الشاعر يستكشف العالم بجمال لا يُنسى" في "مجموعة شعرية تقدّم زمنها وتتجاوزه.. هنا قصة الإنسان بكل مآسيها وأشواقها". كما اختارت مجلة Ars Notoria البريطانية، هذا الشهر، الكتابَ ضمن أفضل اثنتي عشرة مجموعة شعرية نُشرت بالإنكليزية في 2021، وقد كتب الناقد الهندي البريطاني يوغيش باتال على موقع المجلّة: "مِثل أفضل النماذج الشعرية، لا يتعلّق الأمر بالصراخ؛ إنه يبقينا مفتونين بتقاطر وانثيال الاستعارات الآسرة والسرديات الموحية والأساطير المحتشدة مع واقع لا يُنسى. يقترن التاريخ ومفارقاته مع حاضرنا لخلق تجربة من التعبيرات والرسائل القوية. واحدة من قصائده يمكنها أن تُبرز كونية الشاعر".
تضمّ المجموعة سبعة فصول تحت عناوين "كأنَّ جملاً هجَّ وعلى ظهره الكعبة"، و"نسيمٌ قديم من وادي الصليب"، و"عامل مُياوَمَة ينتظر"، و"بينما كان الربُّ يضع لمساتِه الأولى على اليابسة"، و"جندي متنكِّر بعد حربٍ لم يصله خبرُ انتهائها"، و"كلُّ كلمة تنظر إليّ وتقول: أنت طردتني"، و"مِراراً عند المنعطفات في الكوابيس". وقد صدر لنجوان درويش ثماني إصدارات شعرية، من آخرها: "لست شاعراً في غرناطة" (2018)، و"استيقظنا مرّةً في الجنّة" (2020)، و"كلّما اقتربت مِنْ عاصفة" و"كُرسيّ على سُور عَكّا" (2018)، وقد صدرت في طبعاتها الأولى عن "دار الفيل" في القدس و"المؤسّسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت.
وعلى مستوى الترجمة صدرت له، هذا العام أيضاً، مختارات باللغة الإسبانية تحت عنوان "كلمة مُضادّة" عن "منشورات متنزاس"، ومختارات شعرية باليونانية بعنوان "بِلا" عن "منشورات باراكنترو"، ومختارات شعرية بالألبانية تحت عنوان "بلدٌ يسمّى الأُغنية" عن "معهد الدراسات الشرقية" في بريشتينا، وترجمتان للإيطالية لمجموعتَي "كُرسيّ على سُور عَكّا" عن منشورات "إلى"، و"استيقظنا مرّةً في الجنّة" عن دار "إيل بونتي ديل سالي".
من بين قصائد مجموعة "تَعِبَ المُعلَّقون" واحدةٌ مهداة إلى المناضلة الفلسطينية رسمية عودة، ابنة القدس التي جرّدتها السلطات الأميركية من الجنسية الأميركية قبل سنوات بسبب ماضيها في العمل الوطني الفلسطيني. اعتُقلت رسمية عودة عام 1969 وعُذّبت بطريقة وحشية من قبل الاحتلال وقضت عشر سنوات في السجن وخرجت منه بصفقة تبادُل أسرى مع "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" عام 1980. وفي عام 2014 اعتُقلت رسمية عودة في الولايات المتّحدة إثر تحريض صهيوني عليها بسبب نشاطها الحقوقي، وفي 2015 جرّدتها محكمة أميركية من الجنسية وأبعدتها إلى الأردن في محاكمة غير عادلة.
هنا سبع قصائد مختارة من المجموعة.
عندما أيقظوكِ في الفجر
(إلى رسمية عودة)
عندما أيقظوكِ في الفجر
عندما علَّقوكِ من يدك كالذبيحةِ
مثلكِ كان المسيح فدائياً
لكنَّهم حاكموه وصلبوه في بحرِ نهارٍ واحد
أمّا أنتِ
فيا لصليبكِ يُرْفَعُ كلَّ فجرٍ.
كانَ اسمه على القوائم السوداء
كانت أُمُّه تنام على وسادةٍ من الكوابيس
من يُسْنِدها بين نساءٍ قليلات أمام سجن المسكوبية
معلَّقةً من يدها
إلى أبعد نجمةٍ في الكون.
أيقظوكِ في الفجر، مرّةً أُخرى
علَّقوكِ من يدكِ كالذبيحة.
■■■
جيرة الكرمل
تُجاوِرُ البحر، لكنّكَ لا تستطيع أن تنادي عليه:
يا جار، تَفضَّل اشربْ فنجان قهوة.
في حين أنَّ الكرملَ يزورني من النافذة دون أن يستأذن أو يحاول مرّةً الدخول من الباب (هو صاحب المِلْك على أية حال).
أحياناً تصِلُني أجراسُ كنيسةٍ من قاعِ "وادي النسناس"
وأحياناً يجيئُني أذانُ الفجرِ خافتاً من "جامع الاستقلال"
(يَحْمِله النسيمُ القديم من "وادي الصليب")
أتباعُ البهاء لا يكفّون عن دفع دولارٍ في اليوم
ومَلءِ المدينةِ بحدائق هاربةٍ من شيراز.
وفي "الكَبابير" لا ينهض أتباعُ غلام ميرزا أحمد من غيبوية المديح
وتصيُّد الحق في أحاديثَ ومرويّات.
أمّا الأجاويد، فـ"مُشَوَّقاتُهم" تصِلُني من الخلوة الكبيرة عند سَفْحِ حرمون،
مثل هذه المناديل البيض
التي تخبِّئُ ليالي ألف سنةٍ من السواد.
لكن،
أنا الذي لا أتبعُ سوى نفسي
ما الذي أفعله بين الأتباع
بلا هدفٍ بين البحر والجبل
هنا حيث ينتهي الزمان؟
■■■
عامل مُياوَمَة
(إلى عمّال المياومة المصريين في الأردن)
في الصباح سأنزل إلى "الدُوّار" وأجلس بينكم
وأنتظر
أكنتُ طوال حياتي سوى عاملِ مُياوَمَةٍ ينتظر؟
أنا مصري أيضاً
أنظر من هذا القاع إلى جدّتي كليوباترا تُهدي أفريقيا لعشيقها مارك أنطونيو
ثُمَّ أعود لأنظر في الوحل
أنا مصري أيضاً
تفكَّرتُ طويلاً في عمارة الهرم الأكبر
قبل أن أنزل إلى الدُوّار وأجلس بينكم..
نَفَسي أقصر من هذه السيجارة التي تحترق في يدك
مع ذلك سأنتظرْ
قلبي مطفأٌ أكثر من شمس الظهيرة
ومع ذلك سأنتظرْ
أحلِبُ الأملَ من ضُروع هذه الشاة السوداء التي تسمّونها اليأس
وأعرفُ كيف أنتظرْ.
أنا مصري أيضاً.
■■■
فلتنتهِ الرحلة ههنا
حين كانت بغداد تضيقُ عليه وحاناتُها تعبِسُ في وجهه
كانت نفسُ الحسن بن هانئ تطلب السفر.
في تلك الأيام كان المديحُ نوعاً من الحجيج الأرضيّ يَقصِد فيه الإنسانُ إنساناً،
يُسْقِط عليه ويؤمِّل عنده، ما نَقَصَ من مروءة معاصريه وما قصَّر كَرَمُ زمانه.
كان والي مصر في زمن الرشيد يُدعى الخصيب
ولولا أربعُ قصائدَ وبِضعُ مقطوعاتٍ في ديوان الحسن لما سمعنا باسمه ربما
ولما عرفنا أنَّ "المنيا" قامت في زمانه وأنَّها كانت تدعى "منية الخصيب".
لم يستطع الحسنُ إغفاءةً رغم تَعَبٍ وكؤوس نبيذٍ جعلته يرى رؤوس النياق تشقُّ فجر "الدِّجيل" كأنَّها شواهدُ قبورٍ مُدْلجةٍ تتركُ "الأنبارَ" خلفها والفرات.
في الفجر الثالث من الرحلة
كانت النياق تشرب من "ماء النقيّب" ـ وتلك صحراءُ النَقَبِ جارةُ سيناءَ الفتيّة ـ
وعندما اكتمل الإشراق كُنَّ يوافينَ كنائس تدمر روانيَ الأعناق نحو بهائها
أمّا سُرعتها وهي تأكلُ الطريقَ نحو "أهل الغوطتين" فقد جعلته يظنُّ أنَّ للنياق الهوجِ أكثرَ من ثأرٍ عند أهل دمشق.
وفي الصباح الرابع كُنّ في "الجولان" يطرقن صخرها وقد تجرّحت حلماتُ ضروعها وهي تشقُّ تلك الفِجاجَ الجبلية.
أمّا الليل الذي قاسينَه دون بيسان، فليتنا نقاسي ألفَ ليلٍ مثلَهُ ونصل إليها.
من عند نهر أبي قطرس قرب الرملة لم تكمل النياق الصعود نحو "البيت المقدّس"
ورُحنَ يطلُبنَ بقيعَ هاشم وقبرَه
حيث كانت غزّة نائمة عند غُرّة الزمان ساهيةً عمّا يُحاك لها من كوابيس.
"ولما أتتْ فسطاط مصرَ أجارَها
على رَكْبها أن لا تزالَ مُجيرُ
من القومِ بسَّامٌ كأنَّ جبينَه
سنا الفجْر يسري ضَوؤهُ وينيرُ..."
فلتنتهِ الرحلةُ ههنا
فلتنتهِ عند هذين البيتين
لا تتذكَّر
ولا تُردِّد غيرهما
وهم يودِعونك "غرفة التوقيف"
في مطار القاهرة.
■■■
العائلة
ليس لي أرملة
لتحضر في مساء تأبيني، لاستلام الدّرع
وتوزيع الابتسامات الحزينة
أيّة امرأة تشعر بالكآبة في ذلك المساء
بإمكانها أن تكون أرملتي.
كما أنَّه ليس لديّ أبناء
ـ هؤلاء الذين يولدون الآن تحت القصف
وفي كآبة المستشفيات
هم رفاقٌ
ينضمّون إلى هذه العائلة التي صنعناها
من حُطام عائلاتنا.
وحتّى بعد ألف سنة لن أكون أباً
سأظلُّ في مكاني
بين أكثر الرفاق فتوةً وطيشاً
(لكنَّ هذا لن يمنع أولاداً كثيرين من الظن أنَّني والدهم).
سأُدافع حتّى النهاية
عن حقّي في أن أكون ابناً لأبنائي.
■■■
كلُّ هذه الاعترافات
النُّكران تلقّيتُه بلمعةِ ابتسامة
كنتُ أربأُ عن دفع الأثمان
وما ضرَّني أن أنامَ مجهولاً
وقد عرفتُ نَفْسي.
أمّا الآن فلا أعرفُ لِمَ يَلمعُ الحزنُ مثل نحاسٍ صلدٍ في الظهيرة
لِمَ تَتَعافَرُ الرّمالُ
كأنَّ جملاً هَجَّ وعلى ظهره الكعبة
يا رب لم يكن هذا ما أُريده
ماذا أصنع بكلِّ هذه الاعترافات؟
■■■
كلُّها
عرباتٌ تجرُّها خيولٌ سعيدة
أم أكورديونات
كُلُّهُ تجوالٌ يا عزيزتي
باصات متجهّمة وقريبات يعولن على العتبات
كلُّها رحلة
وها قد عُدنا منها.
أُسمّيها الأرض ولا أخجلُ مِنَ التسمية
كلُّها أرض
كلُّه موت.