رغم أنّ الخطاب الرسمي لا يفتأ يُكرّر التأكيد على ضرورة حفظ وحماية التراث المادّي في الجزائر، فإنّه ليس نادراً أن نقرأ أخباراً عن تعرُّض أجزاء من مواقع أثرية لأشكال من التخريب، لعلّ أسوأها تشييدُ أو الشروع في تشييد بنايات حديثة على أنقاضها، وهو أمرٌ يكشف، من ضمن ما يكشف عنه، غيابَ أيّ تنسيق بين وزارة الثقافة وغيرها من القطاعات لحماية الآثار والمواقع الأثرية.
نتذكّر، هنا، تخريب قطعة أثرية فسيفسائية اكتُشفت وسط مدينة جيجل شرق البلاد في نيسان/ إبريل الماضي بينما كان أحد المواطنين يقوم بأشغال حفر بعد تهديمه بنايةً قديمة ليبني أُخرى مكانَها، لتتدخّل وزارة الثقافة بعد فوات الأوان، وتُصدر "أوامر" بوقف الأشغال في الموقع.
ما حدث العام الماضي في شرق البلاد تكرّر بشكل مختلف قبل أيّام في غربها؛ إذ شرع أحد المواطنين في بناء مسكن في موقع بورتيس ماغنيس الأثري بمنطقة بطيوة شرقَي ولاية وهران، قبل أن تتدخّل مديرية الثقافة والفنون في الولاية لوقف الأشغال في الموقع الأثري الذي يُشكّل بقايا مدينة رومانية شُيّدت خلال القرنَين الثاني والثالث للميلاد، ويمتدّ على مساحةٍ تُقارب 36 هكتاراً.
وعلى خلاف الموقع الأثري في مدينة جيجل، والذي كانت القطعةُ الأثرية المكتشفةُ سبباً في اكتشافه، فإنَّ الأمرَ هنا يتعلّق بموقع مصنَّف ضمن "قائمة التراث الوطني". لكنَّ ذلك لم يمنع السلطات المحلّية من إصدار رخصة لبناء منزل في محيطه، بحسب "وكالة الأنباء الجزائرية" التي ذكرت أنَّ "صاحب الأشغال يحوز على رخصة بناء صادرة عن المجلس الشعبي البلدي السابق في بطّيوة لإنجاز مسكن من طابقَين"، مُضيفةً أنّ الرخصة مُنحت دون استشارة مديرية الثقافة والفنون في وهران.
تكشف الحادثة، ليس فقط عن غياب التنسيق بين وزارة الثقافة وغيرها من المؤسّسات الرسمية، بل عن حجم الإهمال الذي تتعرّض له المواقع الأثرية؛ فموقعُ بورتيس ماغنيس، ظلّ عرضةً للنهب وعمليات التنقيب غير القانونية طيلة عقود، قبل أن يجري تصنيفه ضمن قائمة التراث الوطني، دون أن يمنع ذلك من حدوث تجاوُزاتٍ فيه.
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، قام باحثون من "المركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ" و"جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا" في باب الزوّار بالجزائر العاصمة بعملية مسح جيوفيزيائي للموقع الأثري "تمهيداً لانطلاق الحفريات فيه قريباً"، حسب بيانٍ لوزارة الثقافة حينها. لكن الحفريات لم تنطلق إلى اليوم.