يرسم محمد عبد الله العتيبي امرأة بزيّها التقليدي الملوّن تطير إلى جوار ثلاث حمامات في السماء فوق مسجد بعمارته وزخارفه التراثية، وخلفه أشجار النخيلّ مزينة ببلَحِها، وأمامه جمٌع من الناس كأنهم صلّوا لروحها وسيشيعونها إلى مثواها الأخير.
هذا العمل واحدٌ من أكثر من أربعين لوحة تنشرها صفحة "بقعة ضوء في دنيا المسرح"، المنصّة الرقمية التي تهتمّ بالمسرح السوداني خصوصاً، والمسرح العالمي عموماً، في لفتة استعادية لتجربة الفنان التشكيلي السوداني (1948) الممتّدة لأكثر من خمسين عاماً.
ينتمي العتيبي إلى الجيل الثاني من الفنانين السودانيين الذين عاشوا مواجهةً كثيفة، في الممارسة والتنظير، مع سؤال الهوية، الذي شغل الجيل الأول الذي تلقّى تأهيلاً أكاديمياً غربياً، فلم تنل أعمال رساميه قبولاً لدى المتابع السوداني، ما دفعهم إلى العودة للجذور، ليأتي جيل الستينيات والسبعينيات بعدهم ويسعى لإيجاد معنى لهذه العودة.
تخرّج العتيبي من "كلية الفنون الجميلة والتطبيقية" في الخرطوم، وعمِل في بداياته مصمماً في وزارة الشباب، ثمّ تنوّعت اشتغالاته بين رسم الكاريكاتير وتصميم الإعلان والتدريس محاضراً في "كلية الموسيقى والدراما" و"جامعة العلوم والتكنولوجيا" بالسودان. وقد أقام معرضه الأول عام 1970، ومنذ ذلك الوقت شارك في عشرات المعارض والتظاهرات الفنية في مختلف أنحاء العالم العربي.
يشير في إحدى المقابلات الصحافية إلى أن الأرابيسك والخط العربي هما عنصران أساسيان لا يغيبان عن لوحته، مثل العديد من مجايليه. وهو يرسم مشاهد تفصيلية من حياة الناس اليومية في السودان وعاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم الجماعية، وهنا تتداخل الحروف كرموزٍ وعلامات في أزيائهم، أو منقوشةً على العديد من الأدوات التي يستخدمونها. كما يحضر الأرابيسك في جميع المباني التي يرسمها.
في هذه المناخات من الواقعية السحرية، نرى في لوحة العتيبي كائنات بشرية وحيوانية تطير فوق مدن ضاربة في القدم، أو نجد رأس امرأة على جسد طاووس تتبختر في مشيتها وخلفها تظهر تعاويذ وإشاراتٌ من الفنون الشعبية القديمة بمؤثراتها المتعددة؛ الأفريقية والنوبية والعربية الإسلامية.
يتراكم اللون على سطح اللوحة في أسلوب خاص ليُبرز جماليّات المكان ومقدراته كما يصوّرها الفنان، وتتنوّع المناظر التي يلاحقها في مزج بين الواقع والأسطورة، كما أنّه يقدّم أحياناً عدّة مشاهد ضمن مستويات متعدّدة داخل العمل نفسه.