خلال فترة حُكمه التي استمرَّت قرابة خمسين عاماً، بين 1831 و1889، قام الإمبراطور البرازيلي، دوم بيدرو الثاني (1825 - 1891) بزيارتَين إلى الشرق: الأُولى عام 1871، وقادته إلى مدينتَي القاهرة والإسكندرية في مصر، والثانيةُ عام 1876، وشملت مناطق مِن لبنان ودمشق وفلسطين ومصر مرّةً أُخرى، ثمّ السودان. على أنَّ تينك الزيارتَين لم تكتسبا صفةً رسمية، بل كانتا ضمن رحلاتٍ شخصية، لاكتشاف المنطقة، ومشاهدة معالمها، والتعرُّف إلى شعوبها وثقافاتهم عن قُرب.
خلال الرحلتَين اللتَين يقال إنّه تعلّم خلالهما اللغة العربية، سجَّل الإمبراطور البرازيلي يومياته التي دوّن فيها انطباعاته عن الجوانب التاريخية والثقافية والاجتماعية والأنثروبولوجية والأثرية والدينية واللغوية عن المنطقة، كما أنجزَ عدداً مِن اللوحات التي رسم فيها الآثار التاريخية والمناظر الطبيعية التي شاهدها، وجمع عدداً كبيراً من الصُّوَر؛ من بينها قرابة 500 صورة عن مصر التي كانَ أوّلَ رئيس دولة مِن الأميركيّتَين يقوم بزيارتها.
"العودة إلى مصر: مجموعةٌ برازيلية من الصُّوَر الفوتوغرافية" هو عنوان المعرض التوثيقي الذي أُقيم في "مركز الجزيرة للفنون" بالقاهرة بين الثالث، والثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وقدَّم إضاءةً على مصر خلال القرن التاسع عشر، من خلال مجموعة مِن الصور الخاصّة بالإمبراطور البرازيلي والتي تضمُّ أكثر من عشرين ألف صورةٍ تحتفظُ بها "المكتبة الوطنية" البرازيلية في ريو دي جانيرو.
اكتفى المعرض التوثيقي بنُسخٍ طبق الأصل عن الصُّوَر الأصلية
تضمَّن المعرضُ، الذي أُقيم تزامُنا مع مرور مئة وخمسين عاماً على الرحلة الأُولى، قرابة تسعين صورةً مِن مجموعة دوم بيدرو الثاني، التقطَها مصوّرون فرنسيّون وبرازيليّون، تُوثّق لملامح الحياة في مصرَ خلال تلك الفترة؛ إذ تُجسِّدُ الصُّوَر مناظر طبيعيةً في الأرياف والمدن، ومعالم ومواقع أثرية؛ مثل قصر الجزيرة، وقصر الوالي إسماعيل باشا، ومشاهدَ من الحياة اليومية للسكّان في الإسكندرية، والجيزة، والإسماعيلية، والسويس، وأزيائهم وعاداتهم.
هذه هي المرّة الثانية التي تُعرض فيها مجموعةُ الإمبراطور البرازيلي التي أهداها لـ"للمكتبة الوطنية" في بلاده، وظلّت محفوظةً طيلة أكثر من مئة سنة، ولم تُعرَض إلّا عام 2003. وبحسب المنظّمين، فهي تُمثّل أقدمَ صُوَر فوتوغرافية لمصر. لكنَّ المعرض اكتفى بعرضِ نُسخةٍ طبق الأصل عالية الدقّة، بينما كان مقرّراً في البداية عرضُ الصُّوَر الأصلية، وهو ما علّله المنظّمون بتداعيات جائحة كورونا.
إلى جانب الصُّوَر، تضمّن المعرض أيضاً أجزاء من مذكّرات دوم بيدرو الثاني التي دوّنها خلال إقامته في مصر، ووثّق فيها مشاهداته للمعابد والمعالم التاريخية، ومشهد غروب الشمس، وانطباعاته عن المصريين وسلوكياتهم وعاداتهم تقاليدهم، إلى جانب ثلاث خرائط لمصر والعالم، ووثيقةٍ تتضمّن قائمة المأكولات التي تضمّنتها مأدبة عشاءٍ أقامها الخديوي إسماعيل في قصره على شرف ضيفه البرازيلي وزوجته في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر 1871.