بعد نهاية فترة الحجر الصحي بسبب انتشار فيروس كورونا، نهاية أيار/ مايو الماضي، راجت في باريس الجولات الثقافية. وعلى عكس سنوات سابقة جرى الاكتفاء فيها بالمعالم الأساسية من العاصمة الفرنسية، برزت نزعة ابتكارية حين بدأت التفكير في جولات ثقافية تهتم بالأثر النسوي للمدينة أو باعتبار رسومات الغرافيتي معالم ثقافية لا تقل أهمية عن المتاحف والقصور الملكية.
"باريس السنوات المجنونة" عنوان جولة ثقافية جديدة تقام يوم الأحد المقبل بتنظيم من جمعية "باري زيغزاغ". الجولة التي جرى الإعلان عنها منذ أسابيع لن تكون مثل الجولات السابقة، حيث أن الحجر الصحي الجديد الذي بدأ نهاية الشهر الماضي فرض أن تكون جولة افتراضية.
تتطرّق الجولة إلى أثر سنوات ما بين الحربين في باريس اليوم، من زاوية فنية، فبين عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي ظهرت الكثير من التيارات والحساسيات الفنية التي شكّلت منعطفات كبرى في مجالات إبداعية متعددة مثل الدادائية والتكعيبية في الفن التشكيلي، ومسرح العبث ومسرح القسوة في الفن لرابع، والسريالية التي بدأت في الأدب ثم عبرت إلى حقول فنية أخرى.
من المواقع التي ستضيئها الجولة: المقهى الذي كان يؤمّه أندريه بروتون - منظّر السريالية - في حي مونبارناس، وبعض المقاهي التي انتشر فيها الفنانون والكتّاب والصحافيون والمسرحيون فخلقوا عالماً موازياً لذلك العالم المحكوم بموازين القوى الأخرى، ونلاحظ هنا أن الفنانين كانوا يجتمعون ضمن صداقات بعيداً عن عداوات الأمم التي ينتمون إليها، حيث لم يمنع العداء بين فرنسا وألمانيا وقتها من دخول فنانين من هذين البلدين إلى جماعات فنية مشتركة.
موقع آخر تمرّ منه الجولة هو بيت بيكاسو الذي تحوّل إلى أحد أنشط المتاحف في وسط باريس. لكن الجولة لا تبحث عن محتوياته الحالية، بل تسعى إلى ملامسة آثار الفنان الإسباني الذي يعتبر الكثير من مؤرّخي الفن أن وصوله إلى باريس - المجنونة بطبعها - كان إعلاناً عن دخول مرحلة اللاعودة في الجنون. يسري ذلك بخصوص عاصمة الأنوار وبخصوص الفن أيضاً.