"الرياضة والسياسة والمجتمع": محاولة لفهم "الألتراس"

04 أكتوبر 2022
من أشغال اليوم الأخير للندوة (العربي الجديد)
+ الخط -

تركَّز جُلّ القسم الثاني من ندوة "الرياضة والسياسة والمجتمع"، التي اختُتمت أوّل من أمس الأحد، في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، على مجموعات "الألتراس" في بلدان المغرب العربي ودلالاتها السوسيولوجية عبر حقول الرياضة والسياسة والدين، وتتبّع امتدادات هويّات هذه المجموعات وخصوصاً في كرة القدم وتأثيراتها الاجتماعية المتبادلة.

أعادنا محمد نعيمي، أستاذ علم اجتماع التنظيمات في "معهد التنمية الاجتماعية" بالرباط إلى تاريخ 2002، العام الذي تشكّل فيه أوّل ألتراس مغاربي، وكان ذلك في تونس. أمّا المغرب، فانطلقت فيه هذه الظاهرة عام 2005، ويتنازع على ريادتها فريقا "الجيش الملكي" في الرباط و"الرجاء البيضاوي" في الدار البيضاء.

استغلال الفضاء العام

وفي ورقته "حركة الألتراس في المغرب.. محاولة للفهم"، قال إنّ المشاهد الاحتفالية التي ما فتئت تخلقُها حركات الألتراس في مدرّجات الملاعب لا تقلّ متعة عن تلك التي تتيحُها فرجة كرة القدم في حدّ ذاتها، وهو ما حوّلها إلى ظاهرة كثيفة تستحقّ البحث. وبوصف مجال كرة القدم جزءاً من الفضاء العام، يسري عليه ما يسري على الفضاء العام نفسه في شموليته، قال المتحدّث إن هذا الحيّز يقع تحت مراقبة واستغلال سياسيَّين، وفي الوقت نفسه، يمكن أن يكون فضاءً للتعبير عن هموم شرائح اجتماعية شعبية، أو عن مطالب سياسية، مثله مثل الشارع.

كرة القدم جزء من الفضاء العام، وتسري عليها أحكامُه

بل ذهب أبعد من ذلك في الإشارة إلى أن التفكير السلطوي قد يفكّر بجعل كرة القدم مجال إلهاء وأفيوناً جديداً للشعوب، ولكن في المقابل، يجد مناصر الألتراس أن المقاربة الأمنية أكثر صعوبة منها في الفضاءات العامة الأُخرى كالساحات والشوارع، ما يجعل الملعب ملاذاً أفضل للاحتجاج الاجتماعي والسياسي. وبيّن الباحث أنّ مظاهر العنف والشغب التي تعتري نشاطات الألتراس تكون أحياناً ناتجة عن سوء فهم السلطات، ومن سيرورة التفاعُل الذي ينشأ ويتطوّر بين قوات الأمن والناشطين.

أشكال للرفض

أما قيس تريعة، الباحث في مخبر الثقافات والتكنولوجيات والمقاربات الفلسفية في "جامعة تونس"، فتتبّع في ورقة "مجموعات الألتراس في تونس: تقاطُعات حقول الرياضة والسياسة والدين" ممارساتِ هذه المجموعات، وامتدادات هويّات هذه المجموعات وتأثيراتها الاجتماعية المتبادلة. حيث اعتمدت ورقته على قراءة سيميو - سوسيولوجية للمدوّنة الفنية (أغانٍ، وشعارات، وممارسات) لمجموعات الألتراس داخل الملعب وخارجه، إضافة إلى مقابلات مع عددٍ من أعضاء هذه المجموعات، في محاولة لفهم ما تحمله ممارسات مجموعات الألتراس في تونس من دلالات ورمزيات في فضاءات اجتماعية متعدّدة. وقال إن تقاطعات الرياضة والسياسة والدين أفرزت أشكالاً جديدة من الرفض، نقلتها مجموعات الألتراس من فضاء العيش اليومي في "الحومة" (الحي الشعبي) إلى الحقل الرياضي، ومن الحقل الرياضي إلى الحقل السياسي بمضامين دينية أعطاها سياق الثورة، الذي سمح بحرّية تشكّل الأحزاب والمنظّمات المدنية، أبعاداً جديدة.

بنية العنف

بنية العنف في الحقل الاجتماعي الرياضي الجزائري: مقاربة سوسيو - أركيولوجية لممارسة كرة القدم هي الورقة التي اشترك في إعدادها الجزائريان هشام صاولي، وهو باحث دكتوراه في علم الاجتماع في "جامعة آكلي محند أولحاج" بمدينة البويرة الجزائرية، وعلي سموك، أستاذ علم الاجتماع في "جامعة باجي مختار". 

قرأ سموك الورقة المشتركة في مداخلته عن بُعد، وقال إنّ ظاهرة العنف في الجزائر ترتبط بمجمل الاختلالات والتناقضات الكامنة في البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع، إذ يصعب الفصل بين ظاهرة العنف والبناء الاجتماعي، بل إن ممارسة العنف تعد نتيجة للهشاشة الاجتماعية.

كيف نفهم ممارسات العنف في الحقل الرياضي الجزائري؟ ما رأته الورقة إجابة عن هذا السؤال أن العنف ظاهرة مركّبة تتجاوز المجال الرياضي إلى الأنساق الاجتماعية والسياسة والثقافية والاقتصادية برمتها، وترتبط بصراع العصبيات. وفي هذا السياق، اقترح الباحثان، لفهم الظاهرة، مقاربة سوسيو - أركيولوجية. فالعنف في الحقل الرياضي الجزائري هو نتيجة منطقية للممارسة الرياضية في السياقين السياسي والاقتصادي الجزائريين اللذين أخرجا لعبة كرة القدم من الترفيه والفرجة إلى وسيلة لتحقيق مصالح فئة محدودة، من هيمنة على المجال الرياضي، ويشمل ذلك المناصرين والمشجّعين أيضاً.

غرافيتيا الألتراس

في دراسة ميدانية، جال باحثان مدينة تطوان شمالي المغرب، وخرجا بحصيلة حملت عنوان "غرافيتيا الألتراس وبناء هوية مجموعات المشجّعين: دراسة سوسيولوجية لعملية التملّك الرمزي للمجال في مدينة تطوان". هذان الباحثان هما عيسى الغياتي، الباحث في علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في "جامعة عبد المالك السعدي"، ووديع جعواني، أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في "جامعة تطوان".

جاء في ملخّص ورقتهما أن ممارسات حركات الألتراس لا تنحصر في الملعب فقط، بل تتجاوز وظيفتها الأولى، المتمثّلة في تشجيع الفريق، إلى مجالات عامة، تشكّل امتداداً لممارستها. وعليه، فحصت الورقة ظاهرة الألتراس خارج الملعب، من خلال مقاربة إثنوغرافية، باحثةً عمّا يعطيه أفراد الألتراس لممارساتهم الغرافيتية من معانٍ، وذلك من خلال دراسة حالة مجموعة "لوس مطادوريس" التي تنشط في النصف الغربي لمدينة تطوان، ومجموعة "سيمبريابالوما" التي تنشط في النصف الشرقي للمدينة. ولدى دراستهما الميدانية، تعرّفا إلى أن هذا التقاسم الغرافيتي بين شرق وغرب، يأتي تبعاً لانتماء القادة المؤسّسين في أحياء هذه المنطقة أو تلك.

يرتبط العنف بالعصبيات ويتجاوز الرياضي إلى أنساق أُخرى

ووجدت الورقة أن الممارسات الغرافيتية لألتراس فريق المغرب التطواني تعبّر عن التملّك الرمزي للمجال، إذ تدخل جماعات الألتراس في صراعات رمزية مع الجماعات الأُخرى، ويأخذ هذا الصراع بُعدين، يتعلّق أحدُهما بالصراع مع المجموعات غير المحلّية التي تنتمي إلى المدن الأُخرى، وهنا تستثمر مجموعات الألتراس في المخيال المجالي وفي ذاكرة المكان، لتحقيق تميُّزها وأفضليتها على الجماعات الخارجية. أما البُعد الثاني فيدور بين المجموعات المحلّية التي تنتمي إلى المدينة نفسها، والتي تشجّع الفريق نفسه، وذلك من منطلق أن الداخل بدوره متعدّد ومتنازع عليه، حيث تتصارع مجموعتا ألتراس فريق المغرب التطواني، "لوس مطادوريس" و"سيمربيبالوما"، على زعامة المدينة من خلال حرب العلامات.

الرياضة والحكامة

ثلاثة باحثين تقاسموا دراسة "السياسة الرياضية الجهوية في المغرب وسيلة للاندماج الاقتصادي والاجتماعي: جهة الدار البيضاء - سطات نموذجاً". وهؤلاء هم يوسف سيام، وعبد الرحيم غريب، ومحمد بوخلخال، الباحثون في "مختبر الأبحاث الاستشرافية في المالية والتدبير" بـ"المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير" في "جامعة الحسن الثاني". وتتبنّى الورقة الرأي القائل إن المغرب يُعدّ نموذجاً إقليمياً من خلال سياساته الجهوية القائمة على إرساء جهوية متقدّمة تمنح كلّ جهة من جهاته الاثنتي عشرة حرّية تصميم سياساتها التنموية القطاعية، والاستفادة من استقلالية صنع القرار، وتطوير سلوكها التدبيري الخاص.

وذكرت أنّ السياسات العمومية الجهوية، باعتبارها عملية دينامية تفاعُلية، تستند في بنائها إلى عدّة عوامل، منها: السياسة العامة للدولة، وحاجات المواطنين، والخصائص الجهوية، والوسائل والموارد المُسخَّرة. ورأت أنّ السياسة الرياضية الجهوية إحدى السياسات المزمع تطويرها من طرف المسؤولين، في ظلّ العمل الجاد والمنهجية الكفيلة بترسيخ الدور الرئيس الذي يمكن أن تؤدّيه الرياضة بصفتها قاطرة للتنمية وتحقيق الاندماج السوسيو - اقتصادي لساكنة كلّ جهة، وخاصة الشباب.

وعرجت أخيراً على أن المجهودات هذه تقتصر على تشييد المنشآت الرياضية، ومع ذلك، فإن عددها ما زال غير كاف، وأن جلّ المؤسسات الحكومية توكل إلى الجمعيات الرياضية تدبيرها، وهذا يفتح موضوع دمقرطة استغلال المنشآت التي تحتكرها هذه الجمعيات وتفرض الانتماء إلى الجمعية من أجل استغلالها.

المال العام وكرة القدم

حول مدى مساهمة المال العام في بناء نوع من الوجاهة لدى رؤساء أندية كرة القدم، وتبيان عمليات إعادة التحويل التي يمرّ بها رأس المال، من الاقتصادي إلى الرمزي، جاءت ورقة الطيب رحايل، الباحث في "مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية" بمدينة قسنطينة الجزائرية بعنوان "المال العام وأندية كرة القدم الجزائرية: الجمعية الرياضية للخروب في قسنطينة مثالاً". 

الصورة
مولدي الأحمر - القسم الثقافي
مولدي الأحمر رئيس تحرير دوريّة "عمران"

وناقشت الورقة علاقات رؤساء أندية كرة القدم بالمال العام، (حيث يجرى تمويل الأندية من الدولة والشركات العامة على وجه الخصوص، دون نفي وجود دعم خاص)، فضلاً عن ممارساتهم الاجتماعية مع مختلف الفاعلين بفضاء مدينة الخروب بقسنطينة في الجزائر، اعتماداً على مقاربة أنثروبولوجية تأسّست على جملة من الملاحظات الميدانية والاستطلاعات المستندة إلى سلسلة من المقابلات نصف الموجّهة. أشار المتحدّث إلى نموذج من صرف المال العام على الأندية متمثلاً في شركة "سوناطراك" الكبرى بين شركات الطاقة في أفريقيا من خلال اختيار أندية بعينها لدعمها، في غياب تشريعات حول المال تضمن العدالة ولا تستثني أندية صغيرة.

الهندسة الاجتماعية

في آخر مداخلتين، جرى التطرُّق إلى الجسد الرياضي في ورقتين بدأهما هشام كمُّوني، وهو باحث دكتوراه في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في "جامعة سيدي محمد بن عبد الله" بفاس، بعنوان "الهندسة الاجتماعية والثقافية للجسد الرياضي بالمغرب". تناول كمّوني التمثُّلات والآليات والرهانات التي تجرى بواسطتها عملية بناء الجسد الرياضي وصناعته بالمغرب، وذلك من خلال دراسة حالة مدينة الرباط. 

وناقش المعاني والدلالات الاجتماعية والثقافية التي تتحقّق بالنسبة إلى مُمارسين رياضيّين وآخرين غير ممارسين، تأسيساً على التقدير الاجتماعي والأهمية التي تحظى بها الرياضة عموماً في المجتمع ذاته. وبيّن أن الداعي إلى ممارسة هذا النشاط الاجتماعي لم ُيعد مرتبطاً بعائداته الصحّية والبدنية ضدّ العِلل، والأمراض والترويح عن النفس فقط، بل امتدّ إلى نصوص اجتماعية تتّصلُ بالخصوصيات الجمالية والتراتبية الاجتماعية. كما ترتبط هذه الممارسة أيضاً باستراتيجيات الاستعراض والمباهاة الاجتماعية، عبر أنواع من الخطاب والعنف المادي والرمزي وأساليب التمييز.

هوية جندرية

إذا كانت الدراسات العلمية في الظاهرة الرياضية على المستوى العربي تقارب "العدم"، حسب ما وصفه أحد الباحثين، فإن الورقة الوحيدة حول المرأة في حقل الرياضة تشير إلى ما هو أبعد من ذلك. وهذه كانت مشاركة شيماء الغازي، وهي باحثة دكتوراه في فريق البحث في الأداء السياسي والدستوري في "جامعة محمد الخامس" بعنوان "النساء الرياضيات في المغرب: عن أي هوية جندرية يمكن أن نتحدّث؟". بحثت هذه الورقة في العلاقة بين الجسد الرياضي للمرأة والهوية الجندرية، مركزةً على حالة النساء الرياضيات المغربيات. 

وانطلقت الغازي من فرضية أن التجربة الجسدية للمرأة الرياضية مختلفة عن التجربة الجسدية للرجل الرياضي، ففي حين يكون الأداء الرياضي للرجل عبر الانخراط في أفعال جسمانية مطابقة لهوية جندرية متوقعة، يشكل الفعل الرياضي النسائي، عبر مدخل الجسد، نوعاً من أداء المرء لجندره "الطبيعي" على نحو "خاطئ"، ما يعني قيامه على تنازع بشأن علاقة الرياضة النسائية بالهوية الجندرية.

من خلال خضوع جسد المرأة لبناء ثقافي معيّن يبين معالم تصوّر هذا الجسد، يصبح الخروج عن هذا التصوّر عبر جسد مخالف للتوجيهات الموجودة مسبقاً مناط تأويلات تنزع الطمأنينة عن التقسيم الجنسي الثنائي رجل - امرأة. حاولت الورقة فهم التمثّلات المجتمعية التي تَسم جسد النساء الرياضيات في المغرب، من خلال الوقوف على الأداءات الاجتماعية المتكرّرة داخل الأسرة والمؤسّسة الإعلامية، وتوقّعاتها من النساء الرياضيات وأدوارهن الاجتماعية.

المساهمون