صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "الانتخابات البرلمانية في السودان (1953-1986): مقاربة تاريخية – تحليلية"، للباحثين أحمد إبراهيم أبو شوك والفاتح عبد الله عبد السلام، وهو بشكل أساسي دراسة للبيئة السياسية والاجتماعية والثقافية التي استندت إليها الانتخابات، والقواعد الدستورية والقانونية التي انطلقت منها.
يحلل المؤلفان كيف أدَّت الخصومات السياسية الحزبية والتناحرات الجهوية إلى تقويض عملية الانتقال الديمقراطي في السودان، وإفساح المجال لتدخل القوات المسلحة (الجيش) في الشأن السياسي، وكيف أفرز ذلك التدخل ما يُعرف بـ "الدائرة الخبيثة" في السياسة السودانية، التي تبدأ بقيام نظام حكم برلماني ديمقراطي، يعقبه نظام حكم عسكري، ثم ثورة شعبية وحكومة انتقالية، ثم نظام برلماني ديمقراطي، وهكذا دواليك.
يتألف الكتاب من خمسة فصول. في الفصل الأول، "الانتخابات البرلمانية الأولى في عام 1953"، مقاربة تحليلية متعلقة بالانتخابات البرلمانية الأولى في السودان، وردّات الفعل التي صحبت إعلان نتائجها، وتداعيات ذلك على المشهد السياسي وألوان طيفه المتخاصمة بشأن السلطة، وإسقاطات تلك الخصومة السياسية على أداء الحكومات البرلمانية التي تعاقبت على دفّة الحكم في دولة السودان الحر المستقل، ودورها في توجيه مسار التحول الديمقراطي في السودان.
يناقش الفصل الثاني، "الانتخابات البرلمانية الثانية في عام 1958"، الإفرازات السياسية التي حدثت عقب تأليف الوزارة البرلمانية الأولى للحكومة الانتقالية، وكيف أثرت في واقع التجربة الديمقراطية الوليدة، ثم ينتقلان إلى توصيف الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات البرلمانية الثانية في عام 1958، والأحزاب التي اشتركت في حملتها الانتخابية وأدبيات تلك الحملة الانتخابية ونكاتها السياسية.
أما في الفصل الثالث، "الانتخابات البرلمانية الثالثة في عام 1965"، فيطرح المؤلفان جملة من الأسئلة المحورية المرتبطة بالانتخابات البرلمانية الثالثة في عام 1965: ما تأثير الواقع السياسي الذي أفرزته ثورة تشرين الأول/ أكتوبر في انتخابات عام 1965 من الناحية الدستورية والقانونية؟ وما القوانين واللوائح التي سُنّت لتنظيم الإجراءات الانتخابية من حيث تقسيم الدوائر وشروط أهلية الناخبين والمرشحين وكيفية التصويت وفرز الأصوات وإعلان النتائج؟ وما الأحزاب السياسية التي شاركت في تلك الانتخابات؟ وما الشعارات التي رفعتها في حملاتها الانتخابية؟
تدخل الجيش في الشأن السياسي أفرز ما يُعرف بـ "الدائرة الخبيثة" في السياسة السودانية
يتناول الفصل الرابع، "الانتخابات البرلمانية الرابعة في عام 1968"، الظروف السياسية التي أحاطت بإجراء الانتخابات البرلمانية الرابعة في عام 1968، والإطار الدستوري والقانوني الذي أُجريت فيه، والأحزاب السياسية التي قادت عملية الحراك السياسي وروّجت لبرامجها الانتخابية عبر الوسائط الدعائية المتاحة آنذاك.
ويقدم الباحثان في الفصل الخامس، "الانتخابات البرلمانية الخامسة في عام 1986"، مقاربة تحليلية بشأن الانتخابات البرلمانية في عام 1986، باعتبارها الحلقة الخامسة في سلسلة الانتخابات البرلمانية التي جرت في ظل التعددية الحزبية التي بدأت تتشكل بنيتها السياسية منذ فترة الحكم الذاتي وتقرير المصير.
ووفقًا للمؤلفين، فإن متغيرات عدة رافقت الحملة الانتخابي كان لها تأثير كبير منها منها الأحزاب الجديدة وأسلوب الدعاية الانتخابية، والمتابعة الصحفية، وطرح بعض الأحزاب مشكلات المجتمع السوداني، ثم التحالفات الانتخابية. لكن لم يكن لهذه المتغيرات الهيمنة الكاملة في توجيه ممارسات الأحزاب ومرشّحيها، أو تقرير النتائج النهائية للانتخابات، لأنها خضعت جزئيًّا لتأثير العوامل التقليدية المتمثلة في القبلية والطائفية والإقليمية.