في يونيو/ حزيران الماضي، صدر للمؤرخ التونسي الحبيب سريوي كتاب "الإقطاع والمُجتمع في آسيا الغربيّة خلال العَصر الوَسِيط: مداخل نظرية"، عن منشورات "لوغوس". وكان المؤلف قد أشار إلى أن هذا الكتاب جزء من مشروع أوسع.
منذ أيام، وضمن الإصدارات الجديدة في "معرض تونس الدولي للكتاب"، صدر الجزء الثاني من هذا المشروع بعنوان "الإقطاع ونمط الاستغلال الإتاوِيّ في المُجتمع العربيّ الإسلامِيّ" عن دار النشر ذاتها.
يتضمّن الكتاب أربعة فصول، هي: "الأرض، القَبِيلة، الإرهاصات الأُولى للعلاقات الإقطاعِيّة في دَوْلة المَدِينة"، و"الجُذور التاريخِيّة للأرستقراطيّة الإقطاعِيّة القَبَلِيّة في دَوْلة المَدِينة"، و"حَرَكَة الفَتح العَربِيّ والإقطاع الاستِيطانِيّ إلى قٍيام الدَوْلة الأُمَوِيّة"، و"تَطَوُّر الإقطاع القَبَلِيّ في العَهْد الأُمَوِيّ".
نقرأ من تقديم الكتاب: "شكّلت الأرض، تاريخيّاً، في النظام الإقطاعيّ الذي بدأ في التشكّل مع ظهورالإسلام وقيام دولة المدينة حلقة الربط بين نظاميْن، وإنْ بَدَوَا مختلفيْن فإنّهما متكاملان في النهاية. فالأوّل هو ذو طابع سياسيّ وحقوقيّ وأيديولوجيّ أيضاً، وهو القائم على تلك العلاقة المتكافئة إلى حدّ كبير بين باذل الإقطاع بدءاً من محمّد النبيّ ومروراً بخلفائه مِن راشدين وأُمويّين، وبين مُستقطِع يكون سيّداً عشائريّاً أو قبليّاً بعامّة. ويتجسّد جوهر هذه العلاقة في وجوب إسلام المستقطِع وطاعته لباذل الإقطاع وولائه للدولة العربيّة الإسلاميّة وللقائمين عليها، مقابل التزام باذل الإقطاع بحماية المستقطِع وتأمينه على نفسه وآله وعلى أرضه وممتلكاته".
ويضيف: "أمّا النظام الثاني فتحكمه العلاقات الاقتصاديّة في وجهها الاجتماعيّ - الإنتاجيّ بخاصّة، وتربط هذه العلاقات بين طرفيْن غير متكافئيْن بالمرّة، بين سيّد متنفّذ قبليّاً وسياسيّاً وبين مزارع حرّ أو نصف حرّ أو عبد مرتبط بالأرض ويقوم بكلّ الأعمال فيها، وليس له من الحقوق غير الحقّ في الحياة وفي المُعتقد. ويتطابق هذا النظام في النهاية مع ما يُتَعارف على تسمِيَته بالقِنانَة الّتي باتت تُجسّد شكل وجود العمل في ظلّ نمط الإنتاج الإقطاعيّ برمّته، ويتمثّل جوهرها في تحويل ما يفيض عن حاجة المزارع وعائلته من الإنتاج للاستهلاك وإعادة الإنتاج إلى من يتحكّم في الأرض، سيّداً فرداً كان أو ملأً قبليّا أو مؤسّسة دولانيّة، في شكل ضرائب أو في شكل ريْع عمل أو ريْع عينيّ أو نقديّ".