لا تنقطع المحاولات التي تشهدها بيروت لإيصال رسالة عن أنّ المدينة ما زالت قادرة على احتضان الفعاليات الفنّية، وأنّ النشاط الذي كان حاضراً بقوّة إلى سنوات ماضية لا يمكن أن يتلاشى فجأة، رغم أنّ الإشارات التي تُحيط بظروف المعيشة يراها الكثيرون غير تشجيعية.
وفي سياق الحديث عن الشروط الفنّية لإقامة المعارض التشكيلية، فإنّ أيسر ما يمكنُ توفيره هو التوجّه صوب المعارض الجماعية. سابقاً كانت هذه التظاهرات تحمل غاية موضوعية من شأنها جمع مدارس أو تيارات، وكذلك تجارب متنوّعة، تحت سقف واحد. أمّا اليوم فصارت شرطاً تقنياً أيضاً، لأن المعارض الفردية قد لا تُهيّئ جمهوراً واسعاً.
"احتفاء بالفن" عنوان المعرض الجماعي الذي يحتضنه "غاليري جانين ربيز" في بيروت حتى السادس والعشرين من آب/ أغسطس الجاري، ويجمع اشتغالات 12 تشكيلياً بأساليبهم المتنوّعة، في محاولة لإعادة تسليط الضوء على أعمال سبق وعرضها الغاليري، وللتأكيد على حيوية الفن وسيرته المديدة مع بيروت التي أكثر ما تُشكّلها التفاصيل.
من التشكيليين المشاركين في المعرض، عايدة سلوم (1954) التي تنحو في تشكيلها للوحة إلى إبراز حدّة الانكسار، فالأشياء قد تخلّلتها خطوط مُنصِّفة أحالتها من وحدتها الجامعة التي تلمّها إلى مستوى من التشظية، في حين تكفّل الأكريليك والشاش بإظهار مدى "المراوغة" (وهو اسم العمل)، وترجمتها فنّياً بين جُزأي اللوحة.
ويقدّم التشكيلي جوزيف حرب (1964) جدارية "بلا عنوان"، تمثّل نثاراً من الحبيبات الزرقاء الصغيرة على مساحة من الخلفية الرمادية، ربّما هما اللونان اللذان يمثّلان المدينة (بيروت) برّاً وبحراً، كُتلاً إسمنتية ومياهاً هي مرآة للرمادية أكثر ما تعبّر عن زرقتها الخاصة.
أمّا لوحة جميل ملاعب (1948)، التي تحمل عنوان "لبنان أرض مملكة السموات"، فتغوص في عالم مُفتَّت، حيث لا تشدّه سوى تلك الموجودات بطابعها الأقرب إلى المنمنمات، بأسلوب تجريدي يكشف معنى أن تكون المدينة واسعةً ومتعدّدة الوجوه.
من المشاركات أيضاً؛ عملٌ بلا عنوان وقّعه بسام جعيتاني (1962) اشتغله بالأكريليك على القماش، وإيلي أبو رجيلي بـ"غداً ربما القهوة تكون أقلّ مرارة" يُعالج فيه موضوعة الزمن، وليلى جبر جريديني التي آثرت نقل الطبيعة الصامتة وما تشفّ عنها بـ"عطر الشتاء"، وأليسا رعد بعمل يحمل عنوان "العذراء المترمّلة"، إلى جانب أعمال أُخرى لكلّ من هانيبال سروجي، وغادة الزغبي، ورائد بحصلي وآلان فاسيوان.