"إربد العاصمة العربية للثقافة 2022": عامٌ كبقية الأعوام

16 أكتوبر 2022
("متحف إربد" تحتضنه "دار السرايا" التي بُنيت عام 1851)
+ الخط -

رغم تأخّر الافتتاح الرسمي لتظاهرة "إربد العاصمة العربية للثقافة 2022" في الأردن حتى الحادي عشر من حزيران/ يونيو الماضي، إلّا أنّ إخفاقاتها غير مرتبطةٍ بتقليص مدّة فعالياتها التي كان يُفترض أن تنطلق مع بداية العام الجاري، بل تتّصل بفهم القائمين عليها للثقافة العربية، قبل التفكير في النهوض بالمدينة الثانية أو الثالثة في البلاد التي تفتقد أساساً إلى حراك ثقافي مستدام.
 
خضعت التظاهرة لإرادات ما فوق ثقافية عبّر عنها معظم أعضاء اللجنة العليا وبعض اللجان المنظّمة التي ضمّت مسؤولين كباراً وموظّفين لا يمتلكون معرفةً واسعة وذائقة فنّية رفيعة تؤهّلهم لوضع رؤية يمكنها تجاوُز الوضع القائم، وتعامَل هؤلاء مع الحدث بوصفه احتفاليةً لتوزيع الهبات والمكرمات.

علماً بأنّ "المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" (ألكسو) أمهَلت الأردن عاماً إضافياً، بعدما كان مقرّراً افتتاح "العاصمة الثقافية" عام 2021، بقصد التخفيف من انعكاسات جائحة كورونا المتفشّية في العالم، إلّا أنّ مشكلة التخطيط أيضاً لا صلة لها بالزمن كذلك.

الصياغة النظرية للأهداف عكست التباساً لدى المؤسسة الرسمية من خلال تركيزها على "إبراز التنمية الثقافية في الأردن" و"التعريف بمكانة إربد الثقافية والحضارية والتاريخية"، و"ترويج المنتج الثقافي الأردني وبشكل خاص في إربد، وتعميمه على المستويين المحلي والعربي"، إذ تبدو هذه الأهداف قاصرة وفق غاياتها المحدّدة التي تعدّ بديهية ومتحقّقة سلفاً في حال تمّ تقديم برنامج ثقافي مخطّط له بعناية ويشتمل على جميع أشكال الأدب والفنون المعاصرة، ويشارك فيه أردنيون من جميع مناطق الأردن وكذلك مثقفون ومبدعون عرب، لتصبح إربد "عاصمة عربية للثقافة" بدلاً من أن تنغلق على ذاتها.

عجزَت عن اجتذاب قرّاء أو متابعين جدد للثقافة والفنون

غير أن الغايات المحدّدة فشِل المنظّمون في بلوغها أيضاً، لأن أولئك المسؤولين وغالبية المنظمين في مواقعهم التنفيذية معزولون عن الثقافة العربية ونتاجاتها الراهنة، ولا يمكنهم وضع تساؤلات أساسية حول موقع إربد أو الأردن منها، ولا يزالون يرونها ترفاً وزينة لا أكثر، في إنكارٍ تام لأيّة صلة للثقافة بالواقع باعتبارها فضاءً لتقديم الاجتهادات الفكرية والنصوص الإبداعية لمواجهة مآزق مجتمعاتنا.

ومن نافل القول، الإشارة إلى الأخطاء الإملائية واللغوية في كتابة الشعارات والعبارات الترحيبية على اليافطات المرفوعة في شوارع المدينة استعداداً لاحتفالية الافتتاح، وكذلك الفوضى التي تخلّلتها بسبب سوء التنظيم والشكوى من نظافة المكان والإرباكات في توزيع الدعوات لتجاهلها شخصيات عديدة في إربد، ما جعل ذلك كلّه موضعاً للتندّر والسخرية على وسائط التواصل الاجتماعي، حيث أشارت تعليقات إلى أن الاحتفالية كانت أشبه بحفلات الزواج (أعراس) ولا صلة لها بالثقافة!

وعلى غرار تظاهرات مماثلة، برزت اعتراضات لدى كتّاب لم تتح لهم المشاركة أو المساهمة بدور أكبر، وكالعادة تتراجع حدّة هذه الأصوات إذا ما أُلحقت بأمسية ما، أو وُعدت بمشاركة في فعالية لاحقة، كما حصل في مشاركة شعراء في الأسبوع الذي تنظّمه "رابطة الكتّاب الأردنيين" في إربد منتصف الشهر الجاري، كان بعضها اعترض على عدم دعوته إلى فعاليات شعرية سابقة خلال هذا العام.

اللافت أن تثبيت الأسماء في "أسبوع الرابطة" استدعى تسويات داخل الجهة المنظّمة نفسها، ما أدى إلى تأجيل انعقاده عدّة أشهر، لكنه لم يتخطّ الفعاليات التقليدية إياها التي تنحصر في أمسيات شعرية وقصصية وندوات نقدية طرحت غالبيتُها مواضيع وقضايا مكرورة ومستهلكة، ما ينطبق على معظم الفعاليات التي شهدتها التظاهرة.

منظّمون معزولون عن الثقافة العربية ونتاجها الراهن

على مدار الأشهر الماضية، نُظّمت عشرات الأنشطة التي يتكرّر حدوثها في إربد وسواها من المدن الأردنية طيلة أيّام السنة، ولم يُخطَّط لأيّة فعالية تشكّل إضافة نوعية في المشهد الثقافي المحلّي، ولم تحقّق المشاركات العربية فارقاً يُذكر، حيث بدت مستغربةً دعوةُ كتّاب عرب غير معروفين، نظراً لعلاقات تجمعهم مع الجهات المنظّمة أو لجهل هذه الجهات بخريطة الثقافة العربية.

في الوقت نفسه، انخفضت الميزانية المخصَّصّة للتظاهرة بعد إطلاق وعود في فترات سابقة بإنفاق قد يصل إلى ستّة أو سبعة ملايين دولار، ليصل المبلغ المرصود إلى نحو مليون ونصف فقط، ما مثّل ذريعة إضافية للمنظّمين لتقديم فعاليات بأقلّ التكاليف لا تخرج عن السائد الذي ينفّر الجمهور من متابعته، كما وُجّهت تهم عديدة باحتكار المثقّفين من أهل مدينة أربد أو الذي يعملون فيها على معظم هذه الفعاليات.

وتواصلت الانتقادات لمخرجات التظاهرة، سواء من المسؤولين عنها أو من المتابعين لها، حيث غابت أيّة إصدارات مهمّة كان مأمولاً نشرها خلال العام الجاري، وفشل برنامجها في استقطاب الناس من أجل الاستمتاع - على أقل تقدير- في حفلات غنائية وموسيقية تحاكي ذائقتهم، وعجز أيضاً عن التعريف بمدينة لا تحظى بأيّة مكانة سوى في كتب التاريخ التي تشير إلى تأسيسها في القرن الثامن قبل الميلاد، وازدهارها كواحدة من مدن "الديكابوليس" زمن الإغريق والبيزنطيين، أو في بقائها حاضرة مهمّة لاحتضانها محطّة البريد التي شكّلت همزة وصل بين الشام ومصر خلال العصرين الأيوبي والمملوكي.

لم يُخطَّط لأيّة فعالية تشكّل إضافة نوعية للمشهد الثقافي

وبعيداً عن المكانة التاريخية، فإن اللحظة الراهنة جرى تغييبها أيضاً، ولم يتمكّن المنظّمون من الاستفادة من معطيات عديدة، أهمّها وجود جامعتين حكوميّتَيْن واثنتَيْن خاصّتَيْن فيهما بنية تحتية من مسارح وقاعة عرض ومحاضرات، في محافظة إربد التي تتمتّع بكثافة سكّانية نسبياً تتجاوز مليونَي نسمة، أو في قربها من العاصمة عمّان، حيث المسافة بينهما لا تصل إلى خمسة وثمانين كيلومتراً، ما يسهّل انتقال الضيوف المشاركين بين المدينتين.

بانتظار اختتام التظاهرة، لا يمكن إغفال حدث وحيد يجري التخطيط والإعداد له بشكل جيّد ممثَّلاً في النسخة الثامنة من "مؤتمر الرواية الأردنية" التي تنطلق في الثامن عشر من الشهر الجاري وتتواصل لثلاثة أيام بمشاركة باحثين وروائيين عرب وأردنيين سيتداولون قضايا مثل علاقة الرواية بالسيرة الذاتية والغيرية وأدب الرحلات، وكذلك صلاتها بالفنون، وتقنياتها الحديثة، مع التذكير بأنّ المؤتمر انتظم انعقاده منذ سنوات، لكنه سيُضاف له هذا العام شعار "إربد العاصمة العربية للثقافة"، الأمر ذاته ينسحب على "مكتبة الحسين" في "جامعة اليرموك" بإربد، والتي تُواصل منذ حوالي سنتين تقديم فعاليات منتظمة حول الكتاب والسينما، وكذلك ورشات في الكتابة الإبداعية وغيرها.

وُزّعت الهبات في حفلات كرنفالية التُقطت خلالها الصور التذكارية، ونُشرت حولها تغطيات رديئة، وسجّل المسؤولون عدد الأنشطة التي أقيمت للتباهي بها في التقارير الرسمية، وأنها لم تكلّف سوى مليون ونصف أُنفقت من أموال دافعي الضرائب، لكنها عجزت عن اجتذاب قرّاء أو متابعين جدد للثقافة والفنون في جميع مجالاتها. هكذا مرّ عام 2022 على مدينة إربد وأهلها مثل بقية الأعوام الماضية.

المساهمون