"أمام الشمس": تاريخٌ فنّي للكوكب المضيء

19 سبتمبر 2022
"انطباع، شروق الشمس" لـ كلود مونيه (من المعرض)
+ الخط -

تعود الحكاية إلى 150 عاماً مضت، وتحديداً إلى الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1972، ذلك اليوم الذي أنهى فيه التشكيلي الفرنسي كلود مونيه (1840 ــ 1926) لوحته الشهيرة "انطباع، شروق الشمس".

فبالرغم من أن تيّار الانطباعية، كرؤية فنّية، كان قد رأى النور في فرنسا منذ ستّينيات القرن التاسع عشر، إلّا أنه لن يجد اسماً له، واعترافاً بالأوساط الفنية، إلّا بعد عرض لوحة مونيه مطلع السبعينيات من القرن نفسه، وهي اللوحة التي سيستلهم من عنوانها الصحافيُّ لويس لوروا تسمية "انطباعية" ليُطلقها على ذلك التيّار الجديد من الفنانين، والذي كان يضمّ أسماء عديدة، من بينها بول سيزان، وكاميّ بيسّارو، وبيرت موريزو.

بمناسبة مرور قرن ونصف على إنجاز مونيه للوحته التأسيسية هذه، يقيم "متحف مارموتون ـ مونيه" في باريس معرضاً بعنوان "أمام الشمس: كوكبٌ بين الفنون"، يُفتَتح في الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر الجاري، ويستمرّ حتى نهاية كانون الثاني/ يناير من العام المُقبل.

وإن كان المعرض يسعى إلى تكريم مونيه ودوره في التشكيل الفرنسي، ولا سيّما في المدرسة الانطباعية، فإنه يحاول، في الوقت نفسه، إلقاء الضوء على حضور الشمس في الفن التشكيلي الأوروبي منذ عصر النهضة وحتى اليوم، حيث يقترح المنظّمون، إلى جانب لوحة مونيه، عشرات من أبرز اللوحات التي صوّرت الكوكب المضيء قبل مونيه وبعده، بما في ذلك لوحات للألماني ألبريخت دورر (1471 ــ 1528)، والإيطالي لوكا جوردانو (1634 ــ 1705)، والفلامنكي بيير بول روبنس (1577 ــ 1640)، والنرويجي إدفار مونش (1863 ــ 1944)، والفرنسيين فيليكس فالوتون (1865 ــ 1925)، وبول سينياك (1863 ــ 1935)، وجيرار فرومانجيه (1939 ــ 2021)، على سبيل المثال لا الحصر.

شاع في العصر الوسيط رسم الشمس بألوان باهتة وفي أسفل اللوحة 

في قراءة تاريخية، يسعى المعرض إلى إعطاء صورة عن التغيّرات التي طرأت على تمثُّل الشمس في المخيال والتشكيل خلال القرون الماضية. فهي، عند المصريين واليونانيين القدماء، رمزٌ للقوّة والجمال وحتى الفرح، حيث كانت تُنحَت فوق رؤوس الملوك أو تماثيل ومنحوتات الآلهة. كما كان يُنظَر إليها، في ذلك الحين، كما لو كانت آلهةً وسبباً أوّل للوجود والكينونة. هذه النظرة ستشهد تغيّراً في التصاوير التوحيدية الوسيطة، ولا سيّما في أوروبا المسيحية، حيث ستتحوّل الشمس إلى "مخلوق" من المخلوقات، وستُرسَم بألوان باهتة، في وسط اللوحة أو أسفلها؛ أمّا حضورها المُشرق، فسينحصر، خلال هذه الفترة، بتمثيلها لوجوه الشخصيات الدينية التي كثيراً ما رُسمت كما لو كانت شمساً.

ويسجّل المعرض أيضاً التغيير الكبير في تصوُّر الشمس بعد قول كوبرنيك بمركزيّتها ــ بدلاً من مركزية الأرض ــ في مجموعتنا التي بات اسمها، منذ ذلك الحين، المجموعة الشمسية. هكذا، ستعود الشمس إلى الواجهة التشكيلية، لكن ضمن تصاوير تميل إلى دراستها بطريقة عِلمية أو شبه علمية، مع إخراجها من العلاقة الضيّقة مع الإنسان إلى مكانة أوسَع، بحيث صار يُنظَر إليها ككوكب وكمصدر أساسيّ للحياة، أكثر من كونها رمزاً ميثولوجياً. أمّا الانتقال الأخير في مكانة الكوكب المضيء، فسيكون مع ظهور المدارس الواقعية أو شبه الواقعية، والتي أعادت الشمس إلى موقعها ــ الذي نألفه في اللوحات الحديثة والمعاصرة ــ كما نراها في الأفق، تماماً كما في لوحة مونيه.

المساهمون