عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" و"معهد الدوحة للدراسات العليا"، صدر حديثًا العدد الخامس عشر (شباط/ فبراير 2022)، من الدورية نصف السنوية المحكّمة "أسطور"، متضمّنًا مجموعةً من الدراسات والترجمات ومراجعات الكُتب.
في باب الدراسات، نقرأ الجزء الثاني من دراسة للباحث والمؤرّخ الجزائري ناصر الدين سعيدوني بعنوان "الطريق إلى التجديد: مدرسة الحوليات الفرنسية من الانفتاح إلى التفتت"، نُشر الجزء الأوّل منها في العدد الرابع عشر من المجلّة. تتناول الدراسة تجربة "مدرسة الحوليات" الفرنسية التي هيمنت على البحث التاريخي في فرنسا قرابة قرن من الزمن، بالرجوع إلى فترات تطورها وأجيالها المتعاقبة والشخصيات البارزة التي كان لها دور بارز في أطوار التأسيس والترسيخ ومحاولة التجديد، وتُختَتم بتبيان أهم خصائص المدرسة وإضافاتها إلى البحث التاريخي.
وتحت عنوان "نشوء تدوين التاريخ العثماني وتطوّره حتى أواخر القرن الخامس عشر"، يتناول أنيس عبد الخالق محمود، أستاذ التاريخ العثماني في "الجامعة المستنصرية" ببغداد، تطوُّر عملية تدوين التاريخ العثماني منذ نشأته حتى أواخر القرن الخامس عشر، مقدّمًا مسحًا لأهم المصنفات التاريخية العثمانية ونبذةً عن مؤلفيها، موضّحًا الاتجاهات العامة للتاريخ السياسي العثماني وانعكاساتها في أعمالهم. كما حاول تفسير مسألة غياب مصنّفات تاريخية عثمانية طوال القرن الرابع عشر، ما يشكّل فجوةً واسعة و"لغزًا" يصعب حلُّه في التاريخ العثماني.
ويقدّم محمد مرقطن، الباحث في "جامعة مونستر" و"أكاديمية برلين- براندن بورغ للعلوم والإنسانيات" في ألمانيا، في دراسته "الأوبئة والجوائح في الشرق الأدنى القديم، منذ أقدم العصور حتى طاعون عمواس: دراسة في تأثيراتها في العمران البشري"، عرضًا عامًا لتاريخ الأوبئة في الشرق الأدنى القديم، مع إعطاء بعض الأمثلة من بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، بالاعتماد على المدونات المكتوبة بالخط المسماري وباللغة السومرية والأكادية، وعلى نقوش أخرى من بلاد الشام ونصوص العهد القديم من الكتاب المقدّس والمصادر المصرية القديمة، وهي مصادر تحتوي معلومات مهمّة عن الجوائح والأوبئة التي كانت قد انتشرت في بلاد المشرق العربي منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وكيفية تعامل الإنسان والدولة معها. وتناقش الدراسة بعضًا من تلك الجوائح والأوبئة في الفترة القديمة المذكورة، ثمّ تنتقل إلى ما يسمى جائحة جستنيان (541 - 542م)، المعروفة في التاريخ العربي وبلاد الشام، من خلال استمراريتها التاريخية، بطاعون عمواس.
وفي دراسته التي حملت عنوان "الماء والمقدّس في شمال أفريقيا خلال المرحلة الرومانية"، يتناول سمير أيت أومغار، أستاذ التاريخ القديم في "جامعة القاضي عياض" بمراكش، تقديس سكان أفريقيا المياه في شتى أشكالها منذ بدايات الحقبة القديمة، لاعتقادهم أنها تحتضن عددًا من المعبودات القادرة على حماية المياه العذبة وضمان استمرار تدفقها، فضلًا عن قدرة بعضها على شفاء المرضى وتحقيق الخصوبة التي يرجوها سكان المدن والأرياف على حد سواء، مُبينًا أنه، وخلافًا للمتوقع، استمرت عبادة الآلهة المحلية في أثناء المرحلة الرومانية رغم انتشار المعبودات ذات الأصول الإغريقية - الرومانية.
وتحت عنوان "الأمويون: أشكال النّسيان ومواطن الذّاكرة"، يبحث المعز عمري، الأستاذ في "المعهد العالي للدراسات التطبيقية" بجامعة القيروان، في إمكان إعادة قراءة التاريخ الأموي في ضوء المقاربات المنهجية الجديدة التي يطرحها المبحث التاريخي لسوسولوجيا الذاكرة. وتتوزع الدراسة على مبحثين: يهتم الأول، في مستويات ثلاثة، بتقديم نبذة عن نشأة المبحث، وعرض المنجز في الأسطوريوغرافيا الأموية، وبيان أشكال النسيان التي لحقت الأمويين. أما المبحث الثاني، فجرى فيه إبراز مواطن الذاكرة الأموية، في ثلاثة مستويات، تتعلق بالرواية الموظفة، والشواهد الأركيولوجية، وذاكرة التأسيس للثقافة والهوية. وتقدم الدراسة نماذج عن أشكال النسيان والتذكّر بفعل انتقائية نشاط الذاكرة المكبّلة بأطر التحكّم المتعاقبة في الكتابة التاريخية، وتخلص إلى محدودية أعمال الطمس والنسيان لارتباط الذاكرة الأموية القوي بفعل التأسيس للفكر والثقافة والهوية في تاريخ المسلمين.
ويعود طلال الجسار، أستاذ اللغة العربية الحديثة في "جامعة الكويت"، في دراسته "وثيقة الاثني عشر: خُطاطة في تنظيم العلاقة بين الدّين والقانون في ألمانيا اللوثرية"، إلى "ثورة الفلاحين الألمانية" التي اشتعلت في ألمانيا خلال القرن السادس عشر وأفرزت خُطاطة مبدئية للدخول في مفاوضات بين الفلاحين والسلطة الحاكمة سُمّيت "وثيقة الاثني عشر"، وهي تتكون من اثني عشر بندًا، وقد حملت معنًى جديدًا في تفسير الحق الإلهي. وبناءً على ذلك، انبثقت فكرة إعادة تنظيم القوانين بين الكنيسة والمجتمع المدني، وجرى تقديم دستور أوليّ متواضع وأفق إنساني جديد في كُنه الحقوق الإنسانية بالنسبة إلى مجتمع مُغلق، وهذا ما تريد الدراسة الكشف عنه، فضلًا عن اختبار مدى صحة هذا الأمر. وقد خلصت الدراسة إلى أن الثورة فشلت في تحقيق أهدافها، إلا أنّ التفكير الثوري القائم على وضع ضوابط تنظيمية حقوقيّة قد استقرّت جذوره في العقول.
وتحت عنوان "الإسلام والمؤسّسون الأوائل في المستعمرات الإنكليزية في أميركا الشمالية 1607–1789"، تستعرض نغم طالب، أستاذة التاريخ الحديث المساعدة في "كلية التربية ابن رشد للعلوم الإنسانية" بجامعة بغداد، أبرز المصادر والنظريات التي أسهمت في تشكيل التجربة الأميركية وصياغتها، ولكن من خلال تأثّر تلك المصادر، في حدّ ذاتها، بالفلسفة الإسلامية والقرآن الكريم وشخص الرسول محمّد خلال المرحلة الاستعمارية والثورية، وذلك بتأثير تداعيات حركة الكشوف الجغرافية والاندفاع العثماني إلى أوروبا، ثمّ قيام الإصلاح الديني. كما تسلّط الضوء على وجهات نظر الآباء المؤسّسين ومواقفهم وتكهّناتهم، التي توقّعت إمكانية أن يصبح المسلمون في أميركا بمرور الوقت مواطنين يمتلكون الحقوق والواجبات ذاتها، وقد يتشاركون مع غيرهم في إدارة دفّة البلاد ومؤسساتها حتّى تبنّي الدستور الفدرالي للولايات المتحدة الأميركية، وتأسيس أول حكومة منتخبة فيها في عام 1789.
وفي باب "ترجمات"، الجزء الثاني من مقالة كتاب سوزان باك-مورس "التاريخ العالمي" بترجمة علي حاكم صالح. وضمّ باب "مراجعات كتب" ثلاث مراجعات، هي: "التعريف والإيجاز ببعض ما تدعو الضرورة إليه في طريق الحجاز" لأبي سالم العياشي، بتحقيق حسن حافظي علوي، من إعداد مصطفى غاشي، و"الفكر التاريخي وتعلم التاريخ" لمصطفى حسني إدريسي، من إعداد عبد العزيز الطاهري، و"تاريخ العالم في القرن التاسع عشر" لـ بيير سينغارافايلو وسيلفان فينير، من إعداد محمد غاشي. أما باب "وثائق ونصوص"، فتضمّن دراسة بعنوان "ترجمة ودراسة لأربع رسائل باللغة العثمانية بشأن الحصار الفرنسي للسواحل الجزائرية سنة 1827" لخير الدين سعيدي.
واختتم العدد أبوابه بـ"ندوة أسطور"، وهي بعنوان "تجربة الكتابة التاريخية في مصر: نظرة إلى المسار ومراجعة الحصيلة"، التي نظمتها أسطور للدراسات التاريخية، بالتعاون مع قسم التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا، يومي 1 و2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021. وقد تضمَّن هذا الباب أربع دراسات، هي: "جهود المؤرخين المصريين في دراسة تاريخ الحركة الصليبية: المسارات والتطورات" لحاتم الطحاوي، و"المدرسة الأكاديمية وتطور الكتابة التاريخية في مصر في النصف الأول من القرن العشرين" لأحمد زكريا الشلق، و"مجهولٌ، منسيٌّ، مهملٌ: إشكاليات وملاحظات متعلقة بتأريخ الفن المصري الحديث في القرن العشرين" لياسر منجي، و"أزمة الكتابة التاريخية في فكر جيل الستينيات قراءة مكثفة في كتابات رءوف عباس" لناصر أحمد إبراهيم.