"أرشيف الرشيدية": رقمنة في منتصف الطريق

10 فبراير 2021
المقر الرئيسي للرشيدية، دار الدولاتلي في تونس العاصمة
+ الخط -

تمثّل مؤسسة "الرشيدية" أعرق مدرسة موسيقية في تونس؛ فقد تأسّست عام 1934، أي زمن الاستعمار الفرنسي، وكان هدفها واضحاً في حماية التراث الموسيقي التونسي، وخصوصاً رافده الأندلسي المعروف بـ"المالوف". إلى اليوم، يحاول المشرفون على المؤسسة القيام بالدور نفسه، فلا يَخفى أنّ عوامل كثيرة تهدّد التراث الموسيقي في يومنا هذا، ومنها دخول مؤثرات كثيرة إلى سوق الفن، والنزعة الاستهلاكية الخفيفة التي باتت تدور ضمنها الموسيقى، ليس في تونس وحدها، بل في العالم بأسره.

لم تعد حماية التراث السمعيّ ممكنةً من خلال التدريس وحده، بنقل الخبرات الفنية المتوارثة إلى الجيل الجديد؛ إذ تظهر العديد من الأدوات الحديثة التي ينبغي استثمارها في هذا الإطار، ومنها الرقمنة، باعتبار ما تتيحه على مستوى التوثيق وما تسهّله من إتاحة المادة الموسيقية أو ممّا كُتب عنها في شكل نوتات أو دراسات أكاديمية أو غير ذلك. وفي حال مؤسسة عريقة مثل "الرشيدية"، فإن الرقمنة لا تفيد الباحثين في الموسيقى وحدهم، بل أيضاً المشتغلين على تاريخ تونس بشكلٍ عام، وعلى تاريخ مؤسّسات المجتمع المدني.

لم تكن الرقمنة ممكنة لولا الشروع في ترميم مقرّات المؤسسة

وكانت "الرشيدية" قد أطلقت في 2019 - بالتعاون مع وزارة الثقافة - مشروعاً لجرد أرشيفها ورقمنته، وقد قدّرت فترته الزمنية بثلاث سنوات. أخيراً، جرى الإعلان أن المشروع قد وصل التقدّم فيه إلى 60%، وتضمّن جرداً للوثائق والمخطوطات الموسيقيّة التي بحوزة المؤسّسة، مع توصيفها توصيفاً عِلمياً دقيقاً. وقد جرت الإشارة إلى أنّ هذه المحتويات ستكون قريباً متاحة على المواقع الإلكتروني للمؤسسة (rashidiyya.tn). يُذكر أن هذه المرحلة سبقتها مشاريع أخرى لولاها لما كان ممكناً الشروع في رقمنة المادة الوثائقية. ففي 2014 عقدت "الرشيدية" اتفاقيّةً مع "مركز الموسيقى العربية والمتوسطية - النجمة الزهراء" لتصنيف كلّ المادة السمعيّة المتوفّرة وإيداعها كتراث وطني، وقد تضمّنت هذه الخطوة رقمنة أسطوانات وأشرطة كاسّيت وأقراص مغناطيسية.

أمّا بخصوص المخطوطات والوثائق الورقية، فلم يكن من الممكن التصدّي لأرشفتها من دون مشروع ترميمِ وتهيئة المقرّ الفرعي للمؤسّسة، والمعروف بدار الأصرم ببطحاء رمضان باي في مدينة تونس العتيقة، حيث تقع معظم المادّة الورقيّة. بدأ هذا المشروع في 2015 بالتعاون مع "المعهد الوطني للتراث" وبلدية تونس العاصمة وجمعيات أهلية. ومع نهاية هذه الترميمات بدأ المشروع الأخير المتعلّق برقمنة ما تملكه "الرشيدية" من وثائق تنقسم بين مخطوطاتٍ، بعضُها نادر، ووثائق إدارية وكتب ودراسات حول الموسيقى التونسيّة.

تعدّ جهود الرقمنة هذه خطوة أساسية في حماية الموروث الموسيقي، خصوصاً أنّ الكثير من الباحثين والمؤرّخين يهجرون مواضيع متعلّقة بالتاريخ الفنّي في تونس بسبب عدم توفّر الوثائق أو صعوبة الوصول إليها. فهل تعطي رقمنة أرشيف "الرشيدية" دفعةً للكتابة والتأليف حول التاريخ الثقافي للبلاد؟

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون