حسين المرصفي.. "رسالة الكَلِم الثمان" على خطى ابن خلدون

01 سبتمبر 2019
("القاهرة عند الغسق" للفنان الإنكليزي أغسطس لامبلوه)
+ الخط -

لم تلق مؤلّفات الشيخ حسين المرصفي الذي عاش خلال القرن التاسع عشر اهتماماً من قبل باحثي وكتّاب عصره، خلافاً للمستشرقين من أمثال الإيطالي بيير كاكيا والأميركي تيموثي ميتشل الذين لفتهم تطّور منهجيته في تناول العلوم الاجتماعية والفكر الديني.

"رسالة الكَلِم الثمان" عنوان كتابه الذي نُشرت طبعته الأولى عام 1881، وصدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" بتحقيق وتقديم الباحث اللبناني خالد زيادة، ويقف فيه عند التدهور والتراجع الذي عاشته مصر في تلك الفترة، محاولاً فهم الأزمة التي تعصف بأحوال السياسة والمجتمع.

يستعرض المرصفي ثماني كلمات جرت على ألسنة الناس، فارتأى شرحها، وهي: الأمة، والوطن، والحكومة، والعدل، والظلم، والسياسة، والحرية، والتربية، من وجهة نظر عالم أزهري منفتح على الأفكار الجديدة.

ومن خلال الشروح، يقدم تحليلاً للواقع المصري عبر نظرة نقدية تتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومثل جميع كتّاب تلك المرحلة، يركز على أهمية التربية بصفتها عامل نهوض، ويفرد لها الحيّز الأكبر من رسالته.

في تقديمه الرسالة، يدرج زيادة ترجمة للشيخ المرصفي، ثم يتناول الرسالة نفسها قائلاً "ويبدأ الشيخ مباشرة بشرحه للفظ ’الأمة‘ فيفرد له ما يقرب من اثنتي عشرة صفحة، ثم ’الوطن‘ فيعطيه أقل بقليل من اللفظ السابق. أما اللفظ الثالث، وهو ’الحكومة‘، فيعطيه خمس صفحات من الكتاب المكون من ثمانٍ وستين صفحة. ثم يُعطي لثلاثة ألفاظ هي: ’العدل‘ و’الظلم‘ و’السياسة‘ ما لا يزيد على نصف صفحة، أو اثني عشر سطراً فقط. ثم يتحدث عن ’الحرية‘ في صفحتين: ويفرد بقية الكتاب (أي ما يقل عن نصفه بقليل) للفظ ’التربية‘، ويقسم الفصل المتعلق بالتربية إلى ثلاثة أقسام متفاوتة في عدد الصفحات".

يجد زيادة في تحقيقه الرسالة تأثيراً حاسماً، في الشكل وفي المضمون، لمقدمة ابن خلدون، "هذا التأثير الذي طبع فكر الشيخ الأزهري حسين المرصفي وانعكس بوضوح على سائر الرسالة".

فابن خلدون يقدم للمرصفي فكرةً عن انحطاط الدول ومنهجاً لتحليل انهيارها وتلاشيها. والدول التي يتحدث عنها في مقدمته هي وليدة المجتمع الإسلامي ذاته الذي يستجلي المرصفي أحواله على الرغم من تقادم الزمن. ويفيد المرصفي من تحليل ابن خلدون ليحلل فساد المجتمع المصري وانحلاله، "ويجد أن الفلاحين، شعب مصر، أو كما يسميهم العمال في الزراعة، كانوا واقعين تحت ضغط وإفساد ثلاث فئات هي: المماليك والعرب والعمد. ويستخدم تعبير (العرب) ليشير به إلى القبائل والعشائر، مبالغًا في تضخيم دورهم".

يوجه المرصفي سهام نقده إلى جميع فئات المجتمع وطبقاته وطوائفه، وكل مجالات الأعمال والصنائع، وأشكال العلاقات السائدة بين الناس، من التسلط وغياب الإنسانية والجهل بالمصالح والجهل بالأخلاق. لكنه لا يرضى بالنقد من دون تحديد كيفية الإصلاح.

يكتب زيادة: "لا بد بحسب المرصفي، من تحديد، بطريقة يسهل فهمها على الجميع، الطرائق والسبل التي من خلالها يمكن إصلاح الأمة. وبهذا الخصوص يمكن أن نميز لديه خطين يتقاطعان في مناسبات متعددة: الأول، يتوجه إلى الناس عامة في أمورهم وكيفية تصريفها وإصلاحها، والثاني يتجه إلى أهل الرأي والمعرفة والمربين؛ إذ يرى أن مهمته هي إصلاح مرافق الحياة جميعها، ولهذا نجده في انتقال مستمر ومتصاعد من الخاص إلى العام، ومن الجزئي إلى الكلي، ومن الأمة إلى الفرد. فهو حين يتحدث عن الوطن مثلاً، يجعله خاصاً وعاماً، ويسهب في شرح وتحديد كيفية إصلاح كل من الخاصة والعامة".

المساهمون