"الألفاظ الأعجمية في اللهجة الفلسطينية": حفر في أرض الكلام

15 مايو 2019
(شبابيك في حارة القريون في نابلس)
+ الخط -

غدت اللهجات المحكية موضع اهتمام متزايد لدى الباحثين في اللغويات والدراسات السيوسوثقافية والأنثروبولوجيا، بعد فترة طويلة من الإهمال الذي ما يزال بعض المشتغلين باللغة يبرّرونه بدفاعهم عن الفصحى، واعتقادهم أن العاميات تشكّل خطراً عليها.

ظهرت العديد من الأبحاث مع تطّور علم اللسانيات ومناهجه، وأتبعها صدور بعض المعاجم التي اختصّت بتراكيبها ومعانيها وجذور مفرداتها، مثل "معجم الألفاظ العامية في اللهجة العامية وتفسير معانيها" لـ أنيس فريحة، و"معجم الألفاظ الدخيلة في اللهجة العراقية الدارجة" لـ رؤوف البزركان، و"معجم الكلمات والألفاظ العثمانية-التركية الدخيلة في اللهجة العامية الأردنية" لـ أحمد شقيرات وغيرها.

في هذا السياق، صدر حديثاً "معجم تأثيلي للألفاظ الأعجمية في اللهجة الفلسطينية.. عربي – عربي – إنكليزي" عن "مركز أبحاث الموروث الشفوي الفلسطيني" التابع لـ "جامعة بيت لحم" لأستاذ اللغات السامية معين هلون، بالاشتراك مع أستاذ الأدب الحديث إبراهيم أبو هشهش، وأستاذة اللغة العربية نادية بني شمسة.

يشير التقديم إلى مسألة خلافية تتعلّق بغزارة الألفاظ الدخيلة التي يرى المؤلّفون، أنها "لم تأت بسبب الاحتكاك المتواصل بالشعوب الأخرى فحسب، بل جاءت أيضاً من رغبة الشعب الفلسطيني في معرفة الشعوب الأخرى وثقافاتها، وحبه في مواكبة الحضارات المجاورة".

على غلاف الكتاب، تعداد للغات التي تمّ الاقتراض منها، وهي: البهلوية واليونانية واللاتينية والسريانية والفارسية والعثمانية وغيرها من اللغات القديمة والحديثة مع ذكر السياق التي وردت فيه، ما يضمر فرضية البحث القائمة على اللهجة الفلسطينية هي امتداد أو تفرّع للغة العربية المعيارية، وهو موضوع قابل للجدل والنقاش.

كما أن المعجم يضع السريانية بين اللغات التي تم "استعارة" الألفاظ الدخيلة منها، وكأنه يساويها باللاتينية واليونانية والفارسية، بينما هي لغة أساسية تحدّثت بها شعوب بلاد الشام، ومنها فلسطين، منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وقبل أن يتكلموا اللغة العربية بصيغتها الحالية بمئات السنين.

يمكن العثور على افتراضات مشابهة في دراسات أجراها باحثون في بلدان عربية أخرى حول لهجاتهم المحكية، وهم ينطلقون من مقولة مفادها أن العامّة ينزعون نحو الاقتصاد في اللغة واستبدال أو تغيير نطق بعض الأحرف بصورة أيسر بالنسبة إليهم، وبالتالي فإن جميع اللهجات العربية مردّها الفصيحة.

يتناول المعجم بداية مجموعة من المصطلحات ليشرحها مثل مصطلح "اللغة الواسطة" الذي يُطلق على اللغات التي استعارت ألفاظاً من لغة ما، ثم انتقلت بواسطتها إلى لغة أخرى حيث كانت العربية اللغة الواسطة بين البهلوية والسريانية من ناحية، وبين الفارسية والتركية من ناحية أخرى.

وكذلك مصطلح "الفرسنة" الذي يُطلق على الألفاظ غير الفارسية، وخاصة العربية، التي دخلت الفارسية وخضعت لقوانينها الصوتية، ثم عادت اللغات المجاورة واستعارت هذه الألفاظ على شكلها الجديد، وهو مصطلح يحاكي مصطلح التعريب، ومثالاً على ذلك لفظة "تؤمري" التي تعني باللغة العربية الفصحى "الإنسان" ثم دخلت إلى الفارسية على شكل "تومري" ومنها تطوّرت إلى اللفظة العامية "دومري" بقلب التاء دالاً.

ثم يقف المعجم عند "العثمنة" التي تعني خضوع الكلمات الدخيلة على العثمانية لشروطها الصوتية، وهي ظاهرة أكثر انتشاراً من الفرسنة، لطول المدة التي احتكت بها العربية ولهجاتها العثمانية.

جرى ترتيب المعجم بحسب الحروف الأبجدية، ويبدأ الباب الواحد بالكلمة الأعجمية بحروفها العربية، ثم نقرحة (نقل حروف اللغات الأخرى إلى حروف عربية) علمية لها حتى يستقيم اللفظ، ثم يليها تأثيل الكلمة، ثم النصوص التي وردت فيها، ثم إحالة لكلمات في الحقل الدلالي نفسه، ثم ترجمة بالإنكليزية لمعنى الكلمة.

المساهمون