نجيب سيدي موسى: الثورة والاستقلال من زوايا أُخرى

16 نوفمبر 2019
من احتفالات الجزائر بالاستقلال، صيف 1962 (غيتي)
+ الخط -

تعود تجربة التعدّدية الحزبية في الجزائر إلى بداية القرن العشرين، مع إقرار سلطات الاستعمار الفرنسي ما سُمّي بإصلاحات الرابع من شباط/ فبراير 1919، والتي سمحت بتشكيل أحزاب سياسية اتّخذت من النضال السياسي السلمي منهجاً للمطالبة باستقلال البلاد، وكان أبرزها "نجم الشمال الأفريقي" الذي أسّسه "رائد الحركة الوطنية الجزائرية" مصالي الحاج (1898 - 1974) عام 1926، وتغيّرت تسميتُه إلى "حزب الشعب الجزائري" ثمّ "حركة انتصار الحريات الديمقراطية" ثمّ "الحركة الوطنية الجزائرية".

غير أنّ الرجل صاحب التاريخ الطويل من النضال من أجل استقلال الجزائر، سيتّخذ، مع اندلاع الثورة التحريرية في الأوّل من تشرين الثاني/ نوفمبر 1954، موقفاً معارضاً للكفاح المسلّح، وسيتمسّك بالعمل السياسي. وتحت غطاء "الحركة الوطنية الجزائرية"، الذي كان الحزبَ الوحيد التي لم ينخرط في الثورة التي قادتها "جبهة التحرير الوطني"، شكّل مصالي الحاج فصيلاً عسكرياً باسم "جيش الشعب الجزائري"، ودخل في مواجهاتٍ دامية مع "جبهة التحرير" في كلّ من الجزائر وفرنسا، وهو ما يُسمّيه المؤرّخ الجزائري محمد حربي في كتابه "جبهة التحرير الوطني: الأسطورة والواقع"، بالحرب داخل الحرب؛ إذ كان الأمر أشبه بحرب أهلية بالتزامن مع الحرب ضدّ الاستعمار.

في مطلع الستّينيات، سيُغادر مصالي الحاج الجزائر نهائياً إلى باريس (حيث عاش إلى غاية رحيله)، بعد رفض "جبهة التحرير" إشراك حزبه في مفاوضات إيفيان عام 1961 مع الفرنسيّين؛ ليظلّ الرجل محطّ تجاذبات وسجالات تاريخية وسياسية بين من يرى فيه "أباً للأمّة" كما يُلقّبه أنصاره، وبين من يتّهمه بالخيانة. وهذا الاختلاف الشاسع في النظر إلى مصالي الحاج لم تجسره إعادة الاعتبار له من قبل الجزائر الرسمية؛ حين استقبل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عائلته عام 2011، وأطلق اسمه على مطار مدينة تلمسان؛ مسقط رأسه.

في كتابه "الجزائر نظرةٌ أخرى إلى الاستقلال: مسارات ثورية لأنصار مصالي الحاج"، الصادر حديثاً عن "منشورات البرزخ"، يحاول الباحث الجزائري في العلوم السياسية، نجيب سيدي موسى (1982)، تقديم قراءةٍ مغايرة لمسار الحركة المصالية منذ خمسينيات القرن الماضي ووصولاً إلى ما بعد الاستقلال، متوقّفاً عند أبرز المحطّات في تاريخ مصالي الحاج؛ بدءاً بتأسيسه "نجم شمال أفريقيا" في العشرينيات والتحالفات التي عقدها مع أحزاب اليسار الفرنسي، ثمّ قيام "حركة أنصار الحريّات الديمقراطية" عام 1946 في أعقاب حلّ "حزب الشعب"، وهي الفترة التي شهدت أيضاً تأسيس "جمعية النساء المسلمات الجزائريات" برئاسة مامية شنتوف ونفيسة حمود.

يتوقّف المؤلّف مطوّلاً عند أزمة "حركة انتصار الحريات" صيف 1954، والتي أدّت إلى انشقاقها وابتعاد مناضليها عن الأحزاب السياسية، مُعتبراً أنّ ذلك كان بمثابة نهايةٍ لـ "عشرية الأحزاب"؛ حيثُ اختفى أيضاً كلّ من "الاتحاد الديمقراطي للبيان" و"الحزب الشيوعي الجزائري"، في فترةٍ شهدت اقتناعاً أكبر لدى الجزائريّين بأنّ الكفاح المسلّح هو الطريقة الوحيدة لأخذ الاستقلال.

ومن خلال اعتماده على مراسلات مناضلين ومحاضر اجتماعات المكتب السياسي للحركة، يُخصّص الكاتب مساحةً واسعة لفترة ما بعد اندلاع الثورة وتأسيس "الحركة الوطنية الجزائرية" والنزاعات المسلّحة مع "جبهة التحرير"، والتي استمرّت إلى بداية الستّينيات، مع حدوث محاولات تقارب بين الفريقين لمواجهة الأعمال الإرهابية التي تنفّذها "المنظّمة المسلّحة الخاصّة" الفرنسية، وهو التقارُب الذي لم يحدث أبداً؛ فبعد الاستقلال، مُنع الحزب من العودة، ما دفع بمناضليه إلى ممارسة العمل السياسي السرّي.

المساهمون