تتعدّد اشتغالات الجزائري سليم سوهالي بين أكثرَ من حقلٍ إبداعي وبحثي؛ فهو فنّانٌ تشكيلي ونحّات ورسّام كاريكاتير، وملحّن وكاتب ومسرحي ألّف عدداً من المسرحيات التي عُرضت باللغتَين العربية والأمازيغية؛ من بينها: "موحند أفحلول"، و"احنا هوما حنا"، "وفن وعفن"، و"خلف دور"، و"قافلة تسير"، و"عروس المطر".
إلى جانب ذلك، ينشغل سوهالي، الذي وُلد في مدينة باتنة شرقَي الجزائر سنة 1956، بالبحث في التراث الثقافي الأمازيغي، خصوصاً الموسيقيَّ منه. وضمن هذا الاشتغال، صدر له قبل أيام كتابٌ جديد بعنوان "لمحة حول الثقافة والفنون الغنائية الأمازيغية: الأوراس، ورقلة والقبائل".
في الكتاب الذي صدر عن "دار أنزار للنشر والإشهار" و"المحافظة السامية للأمازيغية"، يستعرض سوهالي أنماط الغناء الأمازيغي في ثلاث مناطق؛ هي منطقة الأوراس في شمال شرقي الجزائر، والتي تشمل محافظات باتنة وخنشلة وأم البواقي وجانباً من محافظة تبسّة، ومنطقة القبائل وسط البلاد، وورقلة في جنوبها؛ حيثُ يُقدّم لمحةً تاريخية حول كلّ منطقة، مُفصّلاً ما يميّزها من أنواع غنائية وموسيقية.
ومن خلال استعراضه نماذج من نصوصه وإيقاعاته، يركّز العمل على الغناء الشعبي الأمازيغي، مُبرزاً مميّزاته وخصائصه، ومتوقّفاً عند أبرز العوامل التي أثّرت فيه، في مسحٍ لمختلف جوانب المدوّنة الموسيقية الأمازيغية التي لا تُعدّ كتلةً واحدةً، بل تتعدّد بتعدّد الطبوع الموسيقية، وأيضاً لهجات اللغة الأمازيغية مثل القبايلية والشاوية والتارقية والشلحية وغيرها.
في مقدّمة الكتاب، يُقدّم سوهالي إضاءةً تاريخية على الحضارة الأمازيغية وفنونها، ويتطرّق إلى حضور الفن في المجتمعات التقليدية وما يمثّله فيها، قبل أن يتوقّف عند مختلف التأثيرات التي عرفتها الموسيقى الأمازيغية انطلاقاً من الجنوب الجزائري، مركّزاً على التأثير الأفريقي الذي يتجلّى في السلّم الخماسي، وهو ما انعكس على ظهور النوع الموسيقي المعروف باسم "الديوان"، أو "الكناوة"، والذي يَعتبره الباحث مزيجاً من الإيقاعات الأفريقية بمسحةٍ صوفية.
يُعرَف عن سوهالي انتقاده لما يعتبره نزوعاً إلى "فلكلرة" التراث الثقافي الأمازيغي، ونقص الأبحاث الأكاديمية حوله، وغياب مشروع جدّي لتثمين الهوية والثقافة والتاريخ الأمازيغي.
وفي هذا السياق، يَعتبر صاحب "باتنة: حكاية مدينة" أنّ كتابه، الذي قال إنه يمثّل حصيلة ثلاثين سنةً من البحث، "محاولةٌ للإسهام في تثمين الثقافة الأمازيغية"، مضيفاً أنّ عمله المقبل سيتناول شخصية ديهيا المعروفة باسم الكاهنة (585 - 712م) بطريقة مختلفة عمّا كُتب عنها سابقاً. وحكمت الكاهنة جزءاً من شمال أفريقيا قبيل الفتح الإسلامي، انطلاقاً من مدينة ماسكولا في خنشلة، والتي اتخذتها عاصمةً لحكمها الذي استمرّ طيلة خمسة وثلاثين عاماً.