لا تزال الفترة التي أعقبت هزيمة العثمانيين في البلقان وأجزاء من أوروبا في عشرينيات القرن التاسع عشر، تستحوذ على اهتمام الباحثين من خلال دراستهم لمخطّطات تطوير وإصلاح هيكلة السلطة وأجهزتها الإدارية في إسطنبول والولايات الأخرى وتتبع النجاحات والإخفاقات على حد سواء.
صدر حديثاً ضمن "سلسلة ترجمان" عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة كتاب "الدولة العثمانية في عصر الإصلاحات - رجال النظام الجديد العسكري وأفكاره 1826 – 1914" للباحثة والأكاديمية الفرنسية أوديل مورو، والتي نقلته إلى العربية المترجمة اللبنانية كارمن جابر.
يتناول الكتاب الإصلاحات العسكرية والإدارية التي أدخلت على الدولة العثمانية، أو ما سُمّي "النظام العسكري الجديد"، منطلقاً من تاريخ القضاء على فيالق الإنكشاريين في عام 1826 حتى أوائل الحرب العالمية الأولى.
يضمّ القسم الأول "رجال الجيش العثماني المُعاد تنظيمه" ثلاثة فصول؛ في الفصل الأول: "أن تكون عسكرياً في الدولة العثمانية"، تتناول المؤلفة مسألة التجنيد الإجباري، وجيش محمود الثاني الجديد، وإصلاح عام 1869، والحرب الروسية - التركية في عامي 1877 و1878، وقانون التجنيد الصادر في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 1886، ومسألة تجنيد غير المسلمين، وقانون التجنيد لعام 1914، والإعفاءات الإقليمية والظرفية من التجنيد الإجباري والبدل التعويضي.
في الفصل الثاني "الثقافة والشهادات"، تبحث مورو في دور الموارد العلمية الغربية في تحديث الجيش العثماني، وشهادات الكلية الحربية وكلية الأركان العامة والإصلاحات التي أدخلها فون در غولتز، وإدخال التصوير كعلْم حديث في الجيوش، وإيفاد الطلاب العثمانيين إلى الخارج، ومسألة المتدربين العثمانيين في الجيش الألماني، والضباط الألمان في الجيش العثماني، والمدارس العسكرية في الولايات، ومدرسة العشائر، والشهادات بوصفها عامل اندماج وارتقاء اجتماعي.
يبحث الفصل الثالث "مجالات القطاع العسكري: نحو استيعاب الأطراف" مأسسة أفواج الفرسان البوسنيين في عام 1874 بعد تشكيلها ومرورها باختبار الحرب، وتنظيم أفواج الفرسان غير النظامية كالأفواج الحميدية منذ نشأة مشروع هذا السلاح، والاتحاديين وزعماء العشائر الحميدية ودورهم في نهاية السلطات المحلية، ونهاية الإعفاءات في طرابلس الغرب في عام 1902.
يتضمّن القسم الثاني "ضباط وجنود ونزاعات في الجيش" فصلان. في الفصل الرابع "الغازي في مقابل الفرد - ثلاثة عمداء عثمانيين في مواجهة السلطة الحميدية: أحمد مختار وسليمان وعثمان"، تتحدث مرور عن الغازي أحمد مختار باشا تحت عنوان "المجد من دون السلطة (1839 – 1919)"، متناولة مسيرته العسكرية ووظائفه المدنية. ثم تتناول سيرة سليمان حسنو باشا أو "الوجه الآخر للسلطة"، وهو الجنرال السياسي وضحية التطهير، وحياته في المنفى. وأخيرًا تسرد سيرة الغازي عثمان باشا ومساره العسكري التقليدي.
في الفصل الخامس "النزاع في داخل الجيش العثماني في آخر أيام الدولة العثمانية" تستقصي المؤلّفة في أسباب السخط في الجيش من عوامل اقتصادية ومالية، وتوترات معنوية ونفسية، وانقسام بين الضباط الخريجين وضباط الصف. كما تتناول دينامية الضباط والتزامهم، ودور الجيش كما تصوّره مفكّر من "تركيا الفتاة"، وعدم انضباط المتخلفين عن التجنيد، وانتفاضات الجنود.
يضم القسم الثالث "الجيش والسياسة في بداية القرن العشرين" فصلين. في الفصل السادس، الجناح المدني للاتحاديين في السلطة (1908-1913)، تتناول مورو الإصلاحات العسكرية لتركيا الفتاة في عام 1908، وانفجار عام 1908، متسائلة إن كان هذا الانفجار عودة إلى التقليد الانكشاري العتيق أو ثورة، ثم ما تلاها من تطهير كبير داخل الجيش. ثم تتحدث عن الانقلابات والمواجهات العسكرية، كالمواجهة الأولى التي سمية حوادث 13 نيسان/ أبريل 1909، ثم المواجهة الثانية أو انقلاب محمود شوكت باشا، ثم التحولات في الجيش بين عامي 1909 و1912، حتى انقلاب الضباط المحرِّرين في عام 1912. وتتناول أخيرًا في هذا الفصل الحرب الإيطالية – التركية، وبداية حروب البلقان.
في الفصل السابع "الجناح العسكري لتركيا الفتاة في السلطة (1913-1914)" يتتبع الكتاب استيلاء الجيش على السلطة، والهجوم على الباب العالي، ونهاية حروب البلقان وإعادة تنظيم الجيش، واغتيال محمود شوكت باشا، ومسألة البعثة العسكرية الألمانية الجديدة، وعسكرة المجتمع التركي.