"حديث الوحشيات": ما اختاره أبو تمام من مجهول الشعر

13 ابريل 2018
صلاح شاهين/ الأردن
+ الخط -

ظهر الاهتمام بجمع المختارات الشعرية منذ أواخر العصر الأموي، حيث تشير الروايات التاريخية إلى عدد من الكتّاب انتخب قصائد تخصّ شعراء قبيلة بعينها، ثم توسّع آخرون باختيار قصائد تعود إلى عدد من القبائل وأصدورا العديد من المؤلّفات ضاع أغلبها، ولم يصل منها شيء قبل كتاب "المفضليات" للضبيّ.

تطوّرت هذه الصناعة في العصر العباسي خشية أن لا توثّق هذه الأشعار أو أن يرويها من يلحن باللغة فتداخلها عجمة، وعرفت مزيداً من الاختصاص في آلية انتخاب نصوص تجتمع في مبحث واحد مثل "الحماسة" التي ابتدأها الشعر لضمّ القصائد التي قيلت في المعارك والحروب ثم امتدّت لتشمل الرثاء والفخر وحتى الغزل إذا كانت مناسبتها الاعتداد بالنفس وهجاء الخصوم، وربما كانت من أشهرها ما جمعه أبو تمام  (788-845) وأطلق عليه "الحماسة الكبرى".

بعد رحيل صاحب "نقائض جرير والأخطل"، نُسبت إليه مختارات عدّة لم تنشر في زمنه، ومنها "الحماسة الصغرى" (أو الوحشيات)، التي عُثر على مسودتها التي نسخها البوازيجي في إسطنبول، وحقّقها عبد العزيز الميمني ومحمود محمد شاكر عام 1963 وصدرت عن "دار المعارف"، ثم نُشرت ثلاثة كتب حقّقت مخطوطها الفارسي، اثنان منها عن "مؤسسة البابطين" وثالث عن "منشورات نادي المدينة المنورة الأدبي".

"حديث الوحشيات: دراسة جديدة في حواشي الكتب المحقَّقة"، عنوان الكتاب الذي صدر مؤخراً عن "معهد المخطوطات العربية"، من تأليف المحقّق والباحث المصري يوسف السناري، والذي يدقّق النسختين؛ التركية، في محاولة لتجاوز الأخطاء والتصحيفات العديدة التي وقع فيها الناسخ متجاوزاً تحقيقها الأول، والإيرانية التي أتت مبتورة في بعض مواضعها، والفروق والاختلافات بينهما، كما يعود إلى الشروحات التي كُتبت حول المؤلَّف ويمحّص ما وقع من خلل في فهم تراكيبها ومعانيها.

في القسم الأول، يتناول المؤلّف السياق الذي وُضعت فيه الوحشيات وسيرة كاتبها ويدرس حواشي نصّها المحقّق، ثم ينتقل في الثاني "الموافقات" إلى بحث ما توافق من المخطوط الفارسي مع القراءات الأخرى للمختارات، ثم يوضّح في القسم الثالث الزيادات في هذا المخطوط والأبيات التي أوردها ولم ترد في غيره، وفي الرابع يقارن بينه وبين نسخة "دار المعارف"، ثم يعود في الخامس إلى شرح ألفاظ هذه النسخة ويتوقّف عند ما وقعت فيه من ثغرات والتباسات مثبتاً عشرات الحواشي والتعليقات الساقطة منها، ويعلّق الفصل السادس على التصويبات التي وضعت حول الكتب التي اعتمدت المخطوط الفارسي.

إذا كانت أهمية مخطوط أبي تمام في اختياره من شوارد القصائد التي تنتمي إلى الشعر العربي القديم، والتي أزال عنها وحشيتها (أي عدم معرفة عامة الناس بها، ومنها اشتق عنوان الكتاب)، فإن دراسة السناري تأخذ مكانتها العلمية من عودته إلى جميع الهوامش التي ذُكرت في مخطوطيها، ما قاده إلى تصحيح العديد من الأخطاء والأحكام المسبقة عنها.

من ذلك، القول الشائع لدى المحقّقين أنه لم يأت على ذكر الوحشيات سوى عند التبريزي ليثبت أن العديد من الأوائل نسبوا الكتاب إلى صاحبه، ومنهم الصفدي والفيروز آبادي، وكيفية اختياره للقصائد التي كان يستحسنها أو كان يعود إلى بعض الشرّاح في ما ينبهونه من فوائد لهذا الشعر أو ذاك، وتوضيح مسألة التخليط حيث يؤخذ على أبي تمام عبثه في رواية الشعر حيث يركب صدر بيت لأحد الشعراء إلى عجز بيت آخر، مبيناً مواضع الخلط وكيف أن هذا القول لم يرد على لسان أحد المتقدمين باستثناء المروزقي، لكن جرى تعميمه بشكل مبالغ به.

المساهمون