"الخطاب الاحتجاجي": دراسة الواقع وشعارات التظاهر

23 مارس 2018
("جدار العار"، بيروت/ 2015)
+ الخط -
كيف يصوغ الحشد المنتفض مفاهيم جديدة للواقع السياسي العام، كيف يبرّرها ويشرحها على شكل شعارات؟ سؤال يسعى الباحث اللبناني نادر سراج الإجابة عليه من خلال دراسته "الخطاب الاحتجاجي: دراسة تحليلية في شعارات الحَراك المدني"، الصادرة حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات".

الكتاب الذي جاء في 13 فصلاً وتضمّن أربعة ملاحق تخصّ مادة البحث، هو دراسة حالة المجتمع المدني اللبناني، وبالتحديد الديناميات التعبيرية المبتكرة التي أنتجها وطوّرها بين عامي 2015 و2016، حيث يأتي العمل في أربعة محاور هي؛ "الدراسة اللسانية للشعارات: أنموذج لرأب القطيعة بين النظرية وتطبيقاتها العملية"، و"الشعارات الاعتراضية بين التأصيل والإبداع"، و"أيديولوجيا الساحات والميادين"، و"الدراسة البيانية والسيميائية للشعارات".

في البداية، تناول الباحث مصطلحاته والمفاهيم التي سيناقشها بصفتها أدوات إجرائية أساسية في مسارات البحث والتأليف، ومنصّة معرفية لتقصّي مخرجات الربيع العربي، معدّدًا السوابق اللبنانية لحراكات الاعتراض الاجتماعية والنقابية والمطلبية، باحثاً في ساحات التواصل السياسي وفي الشعارات الاحتجاجية كونهما يعملان بمثابة حاضنة للمنتفضين.

كما أفرد الباحث مساحة لتاريخ الحراك الشبابي من منطقة الناعمة إلى بيروت، مسلسلاً الحوادث من أول تظاهرة احتجاج أطلقها الحَراك المدني في 28 تموز/يوليو 2015، حتى الدعوة إلى تعليق التظاهر في 29 آب/أغسطس من العام نفسه، وتناول بالتفصيل قضية مطمر الناعمة ومطمر "كوستا برافا" ومكب "نهر الغدير".

وفي قراءته للشعارات، ركّز المؤلف على نون الجماعة المستخدمة إذ تعبّرُ عن معاناةِ جماعة طَفحَ كيلُها، إضافة إلى صيغةُ "كُلّن يعني كُلّن" الغالبة على الشعارات والهتافات، وفتح ساحات بيروت ملف النفايات وإطلاق شعار "طلعت ريحتكم". ثم تحول سراج إلى تبيان مكامن الخلل ومسوّغات الانتفاضة وآليات العمل بعد سوء إدارة ملف النفايات، وتحلي الناشطين بالجرأة الاحتجاجية.

إضافة إلى شعارات الشارع، أفرد الباحث فصلاً لدراسة الأدوات الإعلامية كمنصّة للخطاب الاعتراضي، فتطرق إلى مسألتين: المساندة الميديائية المُستجِدّة من جهة، والطاقة اللغوية المُحَرِّكة. كما درس الكيفية التي قام بها الإعلم بتكييف سلوك الناشطين والمواطنين من خلال تقنية "فتح الهواء" التي عاظمت دور الناشطين.

إلى جانب بحثه في مستويات العربية المعتمدة في الشعارات والهتافات وتناول المزاج الشبابي في تعديل الشعارات سيميائياً، والشعارات المدوّنة بالعامية اللبنانية، استكشف الباحث أيضاً الغرافيتي بوصفه إعلاماً بديلاً وإرادة شعبية للتعبير والاحتجاج ساهم البعد الجديد لمفهوم الحريات الاجتماعية في انتشاره وتحويله وسيلة للتعبير عن الحرية، يلجأ إليها المواطن حين يعجز عن الوصول إلى وسائل الإعلام التقليدية.

ذهب سراج إلى دراسة ثيمات مختلفة باحثاً في سيميائيتها، فوقف عند لغة الشعارات بين قوى الثبات وقوى الحَراك، وتناول اللغة العربية من حيث هي رافعة تعبيرية للشعار السياسي في تحويراته المختلفة. وخصص فصلاً لدراسة الفضاءات الحضرية العامة بوصفها قبلة للحَراكات، فدرس التبعات الأيديولوجية لاحتشاد جمهور سياسي معيّن في ساحة أو ميدان، ووظائف الفضاءات العامة في الاستقطاب الجماهيري.

وعند مناقشة دور منظومة الشيفرات في التحليل السيميائي للنصّ الشعاراتي، ركز الباحث على مفهوم التمركز المكاني ودلالاته الجيوسياسية في الشعارات وظاهرة صنع المكان في الحيّز العام.

كما قدّم الباحث دراسة بيانية لشعارات الحَراك المدني (في التشبيه والاستعارة والكناية والمعنى التضميني والسجع والجناس والمقابلة والتقسيم والموازنة والتلميح). ثم تناول شيفرات الأنا والآخر في شعارات الحَراك المدني.

وقف المؤلف عند حملة "طلعت ريحتكم" التي استحضرت مصطلحي الطمر والتدوير السياسي وأخواتهما في شعاراتها، ثم ظهر مسطلحان جديدان: الشبيحة والمندسون، وازدهرت صورة "الأزعر" في الشعارات والهتافات. كما تناول مسألة "جدار العار" في شعاراته وتعليقاته وشيفراته الاجتماعية، وتحوله حدودًا فاصلة، واستذكار المعتصمين لجدران عدة مثل: برلين والضفة وبوابة فاطمة.

تحدّث الباحث عن جدران العاصمة التي احتضنت رسوماً غرافيكية معبرة وعبارات نابية، مسلطًا الضوء على الحدّة التعبيرية فيها، وعلى استهلال مفهومي لتقنية استعارات البشر من "كليلة ودمنة" في الشعارات الاحتجاجية، وتحول أبطال "كليلة ودمنة" مرجعية إسنادية وترميزية للشعارات الاحتجاجية.

المساهمون