خالد محمد عبده.. عن رحلة المولوية في بلاد الهند

24 يوليو 2016
بوابة رومي في مدينة لوكنو الهندية
+ الخط -

في عمله الأخير "مولانا جلال الدين الرومي في الهند" (منشورات "المحروسة" وموقع "طواسين")، يأخذنا الباحث المصري خالد محمد عبده إلى أبعاد جديدة من حياة الشاعر والفيلسوف المتصوّف عبر الكشف عن كيفية تلقّي مسلمي الهند لأعماله وأفكاره. العمل هو الثالث في سلسلة أعمال للمؤلف اهتمّت بالرومي بعد كتابَيْ "معنى أن تكون صوفيّاً" و"الرومي بين الشرق والغرب".

يركّز العمل على تقبّل مفكري الهند المسلمين الذين لمسوا أثر الرومي فأعادوا تشكيل رؤيتهم للتصوّف وللجانب الروحي في الإسلام، فالمصلح شبلي النعماني (1857-1914) قد استخرج من "المثنوي" أفكاراً تجعله أحد أهم مصادر علم الكلام، والشاعر والمفكر محمد إقبال (1877-1938) اعتبر الرومي مرشده الروحي و"أمير قافلة العشق".

تناول عبده كذلك حضور جلال الدين الرومي في فكر أبي الحسن الندوي (1914-1999) نظراً إلى مكانة هذه الأخير عند المسلمين اليوم كونه أحد أبرز مرجعيات الإسلام الحركي، ولشيوع مؤلفاته وتجدّد طبعها في البلاد العربية، إضافة إلى عدم الالتفات إلى درس التصوّف ومكانته في فكره.

يقدّم الندوي، الرومي كمتكلِم جديد. وهذا الطرح غاية في الأهمية في وقتنا الراهن الذي تتعدّد فيه أشكال الشد والجذب بين الإسلام الحركي المتشدّد في نصوصيّته، وبين التصوّف كعلم ومنهج حياة؛ ولعل أثر الرومي الإيجابي في فكر الندوي كأحد أهم رموز الإسلام الحركي الحديث يفكك لنا هذه الإشكالية بشكل يجعل التصوّف هو أيضاً واحد من بين الأركان الروحية للعقيدة والإيمان في الإسلام.

على مستوى آخر، يهتم الكتاب بالجزء الشعبي في تقبّل الرومي في الهند، من خلال إضاءته عوالم "الأتقياء" الهنود واستفادتهم من الحضرة الروحية لـ"مولانا"، ما كان سبباً في تطوير تجاربهم الروحية. ومن يتابع سير الأولياء والطرق الصوفية في الهند يعرِف أن اهتمام الطريقة الچشتية بالرومي نما في وقتٍ مبكّر، فقد ألّف المرشد الكبير لهذه الطريقة في دِلْهي (نظام الدين أوليا) [تُوفي 725هـ/ 1325م] تفسيراً للمثنوي.

كذلك فإن الإمبراطور أكبر [حكَم من 963-1013هـ] عُرف عنه محبّته العظيمة لمثنوي الرومي، ونقرأ أن شيدا، شاعر بلاط شاه جيهان، اقتبس في الدفاع عن النفس نصّاً للرومي، فأُطلق سراحُه، كما تخبر المصادر أن دار شيكوه بن شاه جيهان نسخ مثنوي (ولد نامه) لسلطان ولد - ابن الرومي - بيده، وتتضمّن المصادر الهندية الباكستانية معلومات كثيرة حول قرّاء المثنوي المشهورين الذين امتازوا بقراءة أشعار الرومي.

يعتقد كثيرون أن كتاب "المثنوي" لا يتناول إلا موضوع التصوّف، وهو أمر يتناوله الكتاب حين يوضّح أن النعماني كتب كيف أن الرومي ناقش في ثنايا الكتاب كثيراً من مسائل الكلام وبحوثه، وعلى هذا الدرب سار الندوي في كتابته عن الرومي مدركاً أثره في كبار المفكرين في العصر الحديث، ومنهم أستاذه محمد إقبال، الذي انتصر من خلال "المثنوي" للقلب والروح والعاطفة والحب الصادق، في مواجهة الموجة الإغريقية والكلامية الجافة والقشور الفلسفية التي كانت سائدة في المدارس الدينية والأوساط العلمية في العالم الإسلامي. هنا يكشف الكتاب كيف أن "المثنوي" ساعد إقبال في هذا الاصطراع الفكري والاضطراب النفسي وحلّ به كثيراً من ألغاز الحياة.

هكذا ينبّهنا هذا العمل إلى وجود تاريخ وتقليد للاهتمام الهندي بجلال الدين الرومي من زاوية نظر عربية، نقف من خلاله على صورة مختلفة للتلقي العربي وعما هو حادث اليوم، ولعلّه عمل يحفّز أكثر على دراسة المولوية في المحيط العربي.

المساهمون