أطفال الموصل بين المنجل والقلم

25 يونيو 2018
+ الخط -
مرت مدينة الموصل العراقية بتقلبات أمنية وفكرية أدت إلى ضعف الناتج الفكري والثقافي فيها، ولعل أهم هذه التقلبات هو سيطرة أخطر تنظيم إرهابي عرفته البشرية "داعش" عليها ومحاولة أتباعه دس أفكارهم بالقوة داخل المجتمع الموصلي.

كان الأطفال من ضحايا هذه التقلبات المتكررة، بل إنهم في صدارة الخسائر سواءٌ فكرياً قبل دخول "داعش" أوعسكرياً أثناء معركة التحرير أو ثقافياً بعد استعادة المدينة من قبضة التنظيم.

فلم ينعم أطفال مدينة الموصل بالطفولة التي يستحقونها، تقاذفتهم الأيام من جحيم دس الأفكار الساذجة والتكفيرية في عقولهم خلال الفترة التي سبقت سيطرة التنظيمات الإرهابية على المدينة إلى معارك تحرير مدينتهم من "داعش".

وها نحن الآن نرى أغلبهم يسير نحو المجهول وسط انشغال أهليهم وذويهم بتحصيل لقمة العيش التي أمسى من الصعب الحصول عليها بسهولة هذه الأيام لتغاضي الحكومة العراقية وانشغالها بأمور الحكم وتشكيل الحكومة الجديدة.


أطفال مدينتي الذين بتنا نعتبرهم لبنة المستقبل البعيد في بناء الموصل بعد تدميرها ومحو تاريخها وغسل أدمغة البعض من سكانها الذين لا يزالون يحاولون انتزاع الأفكار السلبية من عقولهم وسط محاولات رجال دين لجرهم إلى الانصياع لأسلوب القطيع والراعي ظناً منهم أن هكذا مجتمعات لا تحكم إلا بتفعيل دور المنجل والقصاص بدل الدعوة إلى استيعاب المخطئين وإعادة دمجهم في المجتمع الموصلي.

لو ركبت عجلتك وحاولت التجوال داخل الشوراع العامة في أي حي من الموصل ستجد قسمين من الأطفال الذين يتجمعون على الأرصفة بين شارع وآخر وآثار الجوع والتعب والحرمان بادية على مظهرهم الخارجي وتركيبتهم النفسية، القسم الأول يحاولون بشتى الطرق جمع أي مبلغ مادي لتغطية احتياجات عوائلهم التي أضناها الفقر.

أما القسم الثاني، وهو الأخطر، فيتم استغلاله من قبل بعض ضعفاء النفوس في عصابات باتت في الآونة الأخيرة منظمة فيما بينها بتركيب يصعب الوصول إلى قيادييها، مهمتها السطو على الكمية الكبرى من الأموال عن طريق التسول والاحتيال، ولربما تصل في بعض الأحيان إلى سرقة ممتلكات عامة الناس.

أما في الجانب الآخر من المدينة الذي اعتبر منكوباً بعد عمليات القتال الأخيرة التي خاضتها القوات العراقية ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، فستجد مشاهد أخرى لأطفال يضنيهم الجوع والعوز لأبسط متطلبات الحياة الكريمة، فلولا تدخل بعض الشباب المتطوعين لضاعوا بين الموت والأمراض والحرمان.

كل القاطنين داخل مدينة الموصل باتوا مؤمنين بواجبهم تجاه أطفال المدينة، وبتنا نشاهد اهتمام أغلب الشباب والمنظمات الإغاثية بعمليات تقديم المساعدة التعليمية والإغاثية لهم وتوفير احتياجات ضرورية تمكنهم من العيش الكريم، ولكن هذا لا يكفي بدون تدخل حكومي مركزي أو محلي لحل أزمة الأطفال المشردين وبعض أطفال عناصر إرهابية قتلت خلال عمليات القتال الأخيرة لدمجهم من جديد بالمجتمع الموصلي بعد إدخالهم بدورات تثقيفية وتعليمية تنهض بمستواهم الفكري من جديد نحو عملية بناء عقولهم لإعادة تنظيفها من جديد أسوة بباقي الأطفال.
إن عدم إعادة بلورة أفكارهم سيجعلنا نعاني في المستقبل من تحولات خطرة في سلوكهم قد يدفعنا ويدفع المجتمع الذي يعيشون فيه نحو الهاوية.
B76ECAD3-336E-4028-99B2-03EE1A3E1302
شهاب أغا الصفار

مدون وباحث في مجال الجماعات المتطرفة.

مدونات أخرى