قرار الأمم المتحدة حول القدس في ميزان القانون الدولي

24 ديسمبر 2017
+ الخط -
في أعقاب استخدام الولايات المتحدة حق "النقض" الذي أفشل مشروع القرار 1060 الذي تقدمت به مصر أمام مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين 18 ديسمبر/ كانون الأول 2017م، على الفور طلب سفيرا تركيا واليمن إحالة القرار للتصويت في الجمعية العامة التي تضم 193 عضوا بصفتهما، حيث تترأس اليمن المجموعة العربية، بينما تترأس تركيا القمة الإسلامية..

وعليه عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلستها الاستثنائية الطارئة العاشرة مساء الخميس الماضي 21 ديسمبر/ كانون الأول 2017 تحت عنوان "متحدون من أجل السلام" وفق قرارها رقم (377) المؤرخ في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني لسنة 1950، والذي يجيز للجمعية العامة أن تعقد دورة استثنائية طارئة خلال 24 ساعة، إذا بدا أن هناك تهديدا للسلام أو خرقا للسلام أو أن هناك عملا من أعمال العدوان، ولم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم. حيث يمكنها أن تنظر في المسألة على الفور من أجل إصدار توصيات إلى الأعضاء باتخاذ تدابير جماعية لصون أو إعادة السلام والأمن الدوليين.

وقد ناقشت الجمعية العامة في البند 5 من جدول الأعمال مشروع قانون تقدمت به تركيا واليمن حول الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة، وأصدرت قرارها رقم (22/ 10) بشأن القدس بأغلبية ساحقة 128 صوتاً تمثل 93% من الأعضاء الحاضرين المصوتين فعلياً والبالغ عددهم 137 صوتاً في حين كان النصاب المطلوب موافقة 91 صوتاً (66%) وفق أحكام المادة 18 من الميثاق التي تطلبت موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين المشاركين في التصويت ويقصد بهم حسب المادة (86) من النظام الداخلي للجمعية العامة (الأعضاء الذين صوتوا بالإيجاب أو بالسلب وتستثني الأعضاء الممتنعين عن التصويت) حيث صوّتت 128 دولة مع القرار، وعارضت القرار 9 دول فقط وبينها أميركا وإسرائيل، بينما امتنعت 35 دولة عن التصويت، وغابت عن جلسة التصويت 21 دولة).

والقرار في مجمله تضمن البنود التالية:
1. أكد على وضع القدس في القانون الدولي وفق القرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن، بما فيها القرارات أرقام:( 242، 252، 267، 298، 338، 446، 465، 476، 478، 2334) وأن أي قرارات أو إجراءات يقصد بها تغيير طابع مدينة القدس الشريف أو وضعها أو تكوينها الديمغرافي ليس لها أي أثر قانوني ولاغية وباطلة ويتعين إلغاؤها امتثالا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

2. طالب جميع الدول بالامتثال لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس الشريف، وعدم الاعتراف بأي إجراءات أو تدابير مخالفة لتلك القرارات، وأكد عليها أن تمتنع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس الشريف، عملا بقرار مجلس الأمن 478 (1980).

3. أكد على مبدأ قانوني وهو عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة.

4. أكد على الوضع الخاص لمدينة القدس الشريف، ولا سيما الحاجة إلى حماية وحفظ البعد الروحي والديني والثقافي الفريد للمدينة، على النحو المتوخى في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

5. أكد بشدة على أن مسألة القدس هي إحدى مسائل الوضع النهائي التي يتعين حلها عن طريق المفاوضات وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

6. أعرب عن الأسف البالغ إزاء القرارات الأخيرة المتعلقة بوضع القدس، دون الإشارة إلى اسم أي دولة بعينها.

7. كرر الدعوة إلى إزالة الاتجاهات السلبية القائمة على أرض الواقع التي تعرقل حل الدولتين وإلى تكثيف وتسريع الجهود الدولية والإقليمية والدعم الدولي والإقليمي الهادفيْن إلى تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط دون تأخير على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومرجعية مدريد، بما في ذلك مبدأ الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية، وخارطة الطريق التي وضعتها المجموعة الرباعية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في عام 1967.

8. رفع الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة مؤقتا، والإذن لرئيس الجمعية العامة في أحدث دوراتها باستئناف انعقاد الدورة الاستثنائية بناء على طلب من الدول الأعضاء.

في الجانب القانوني:
- جاء القرار بالحد الأدنى وأقل من المطلوب لو طبقت معايير العدالة بحذافيرها ولم يكن منصفاً للشعب الفلسطيني وفق ما يستلزمه تطبيق أحكام ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي العام والإنساني، فالتصريح الذي أدلى به ترامب في 6 ديسمبر/ كانون الأول، والذي أعلن فيه الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني شكل جريمة خطيرة وتهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين وانتهاكاً غير مسبوق لكافة التشريعات والمواثيق الدولية ومخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولأكثر من 50 قراراً أصدرته الأمم المتحدة، وكان يستدعي على الأقل قراراً مشابهاً للقرار رقم 478 لسنة 1980 الذي أصدره مجلس الأمن.

- القرار جاء فقيراً من الناحية القانونية ولم يضف أي أثر قانوني جديد بل كل ما تضمنه من تأكيدات على قرارات سابقة ومبادئ قانونية معروفة وراسخة في الشرعية الدولية خاصة بوضع القدس.

- جاء القرار عاماً مجرداً من أي وقائع، حيث لم يأت على ذكر قرار ترامب واعترافه بالقدس كعاصمة موحدة للكيان الصهيوني ولم ينص على إدانة الولايات المتحدة وإثبات انتهاكها للقانون الدولي كما فعل القرار رقم 478 الصادر عن مجلس الأمن سنة 1980 بل اكتفى بإيراد جملة عامة على استحياء، حيث أعرب عن الأسف البالغ إزاء القرارات الأخيرة المتعلقة بوضع القدس، دون الإشارة إلى اسم الولايات المتحدة أو أي دولة بعينها.

- الأغرب أنه جاء في شكل توصيات عامة ولم يوص باتخاذ تدابير أو إجراءات محددة بعينها ولم يكلف أي طرف معين بأي شيء بخلاف ما جاء في دورات استثائية طارئة سابقاً على الرغم من أن الجمعية العامة وفق القرار 377 تملك صلاحية إصدار توصيات باتخاذ تدابير جماعية لحفظ السلم والأمن الدوليين.

- القيمة القانونية الوحيدة للقرار أنه حافظ على المبادئ القانونية التي استقرت عليها قرارات المنظمة الأممية وقواعد القانون الدولي منذ أكثر من مائة عام، وأكد على استمراريتها وسريانها ونفاذ أحكامها إذ روعيت الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لتغيير الأحكام التي استقرت عليها قواعد القانون الدولي فيما يخص وضع القدس.

الأهمية التاريخية للقرار
يعتبر هذا القرار تاريخياً وتنبع أهميته من كونه:
- جاء في ظاهره "متحدون من أجل السلام" ولكن في نتيجته كان "متحدين ضد الولايات المتحدة". وشكل صفعة قوية وهزيمة سياسية ودبلوماسية لها ولحليفها الكيان الصهيوني، وكان يمثل انتفاضة الدول الحرة في وجه الإمبريالية الأميركية والصهيونية حيث صدر بأغلبية ساحقة، 128 دولة انحازت للحق والعدالة ووقفت في وجه الولايات المتحدة، التي لم يصوت معها سوى الكيان الصهيوني و7 دول أخرى لا تملك أي ثقل سياسي أو اقتصادي أو تاريخي، حيث إن 4 دول منها عمرها لا يزيد عن 27 عاما.

- القرار هز صورة الولايات المتحدة داخلياً وخارجياً وأدخلها في حالة صدمة وعدم اتزان سياسي ودبلوماسي، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال ردة فعل وتصريحات مسؤوليها بعد صدور القرار ومحاولتهم تخفيف الأمر ودعوتهم الدول التي وقفت معهم إلى وليمة عشاء.

- القرار جاء انتصاراً للعدالة والشرعية الدولية وإثبات أن إرادة المجتمع الدولي حرة ولا تخضع للابتزاز والتهديد الأميركي.

- القرار كان خطوة حتمية لا بد منها لحفظ السلم والأمن الدوليين، ووضع حداً للهيمنة الأميركية واستمرائها في انتهاك القانون الدولي وتقويض المنظمة الأممية.

- القرار يعتبر بمثابة شهادة ميلاد جديدة لمنظمة الأمم المتحدة وكأنها بعثت من جديد ورد اعتبار لقراراتها وهيبتها بعدما تعرضت له من انتكاسات وانتهاكات لميثاقها وقراراتها بواسطة الكيان الصهيوني.

- القرار رغم صدوره بأغلبية عظمى، شبه إجماع الأعضاء المصوتين إلا أنه ولد قيصرياً وتحت ضغط وترقب كبيرين لما صاحبه من أحداث وخروقات غير مسبوقة لكافة الأعراف الدولية والدبلوماسية ومبادئ القانون الدولي، تمثلت في الابتزاز والتهديد العلنيين اللذين مارستهما الولايات المتحدة في مقر المنظمة الأممية ضد الدول الأعضاء فيها، ومصادرة لسيادة هذه الدول وامتهان لكرامتها وإكراه معنوي لتزوير الشرعية الدولية، سواء ما جاء على لسان المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي، أو ما تبعه على لسان رئيسها ترامب الذي هدد علانية بوقف المساعدات المالية عن الدول التي ستصوت مع القرار، وقد ألقت الولايات المتحدة بكامل ثقلها السياسي والاقتصادي، وقد أثمرت جهودها جزئياً إذ تغيبت 21 دولة عن الحضور وامتنعت 35 دولة عن التصويت و7 دول صوتت لصالحها بخلاف الكيان الصهيوني أي حوالي 63 دولة انصاعت للتهديدات الأميركية، ورغم ذلك وقف ثلثا أعضاء الأمم المتحدة صفاً واحداً في وجه الغطرسة الأميركية.

- وبالمحصلة القرار كان بمثابة إعلان وفاة لتصريح ترامب واعترافه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني والذي لم يكمل عمره 15 يوماً.

الصفة الإلزامية للقرار 10/22 لسنة 2017 في القانون الدولي
هل القرار رقم (22/109) الذي أصدرته الجمعية العامة تحت عنوان متحدون من أجل السلام في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2017 ملزم للولايات المتحدة من الناحية القانونية؟

تشكل الإجابة عن هذا السؤال إشكالية قانونية وقد شكلت إجابة هذا السؤال محل خلاف فقهي بين خبراء واساتذة القانون الدولي، ومن خلال البحث والدراسة نستطيع ان نحصر آراء الفقه القانوني في اتجاهين رئيسين بين مؤيد ومعارض لإلزامية هذا القرار، ولكل فريق حججه وأسانيده القانونية، ولكن قبل أن نستعرض آراء الفريقين لا بد من إلقاء الضوء على نص القرار نفسه.

نص القرار 377 (د – 5) الصادر في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 1950 بعنوان متحدون من أجل السلام.. على أنه:
إذا فشل مجلس الأمن، بسبب غياب الإجماع بين الأعضاء الدائمين، في ممارسة مسؤوليته الأساسية في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وفي حالة وجود تهديد للسلام، أو خرق للسلام، أو عمل من أعمال العدوان، فإن الجمعية العامة سوف تنظر في المسألة على الفور، بهدف تقديم توصيات ملائمة للدول الأعضاء من أجل اتخاذ تدابير جماعية، بما في ذلك في حالة خرق السلام أو العمل العدواني، واستخدام القوة المسلحة عند الضرورة، للحفاظ على، أو استعادة السلام والأمن الدوليين.

الفريق الأول: يرى أن التوصيات التي تصدرها الجمعية العامة وفق القرار 377 متحدون من أجل السلام تكون توصيات ملزمة للدول الأعضاء واجبة النفاذ في حقهم. لأنها توصيات ذات طبيعة خاصة وتستمد الصفة الإلزامية من طبيعة المهمة الاستثنائية التي تتولاها الجمعية العامة في حفظ السلم والأمن الدوليين كبديلة عن مجلس الأمن بخلاف توصيات الجمعية العامة في الظروف الاعتيادية.

واستناداً لأحكام هذا القرار تنتزع الجمعية العامة مهمة أساسية من مهمات مجلس الأمن المنوطة به وفق احكام ميثاق الأمم المتحدة، وهي بذلك تكون سلبته جزءا أصيلا من اختصاصاته الجوهرية في حفظ السلم والأمن الدولي في ظروف خاصة لا يوجد فيها عملياً أية جهة دولية تتولى هذه المسؤولية، وهي مهمة استثنائية لا تتساوى مع باقي المهمات التي تقوم بها الجمعية العامة بمسؤولياتها نحوها وتصدر بشأنها توصيات إلى مجلس الأمن، بل إنها تصل إلى أهم وأخطر مستوى يتعلق بحفظ السلم والأمن الدولي في العالم.

ولأنه لو تتخذ الجمعية العامة مثل هذه التوصية ذات الصفة الإلزامية في حالة غياب مجلس الأمن لحصل فراغ في الشرعية الدولية، وحدث انهيار في السلم والأمن الدوليين وسادت شريعة الغاب بدلاً من القانون.

وعليه فإن توصياتها الصادرة فيها وفقاً لأحكام هذا القرار، تكون ذات طبيعة خاصة تحمل الصفة الإلزامية وتكون واجبة النفاذ بحق الأعضاء، وهذا لا يتعارض مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة.

الفريق الثاني: يرى أن التوصيات التي تصدرها الجمعية العامة وفق القرار 377 متحدون من أجل السلام توصيات غير ملزمة قانوناً للأعضاء تحت أي ظرف ولا تختلف عن التوصيات التي تصدرها الجمعية العامة في الظروف الاعتيادية.

ويستندون في ذلك إلى القاعدة الفقهية القائلة بانه "لا اجتهاد مع مورد النص" ويدللون على ذلك بأن نص القرار 377 لسنة 1950 جاء واضحاً وصريحاً واستخدم تعبيراً واضحاً وهو توصيات، ولم يستخدم لفظ قرارات، وهو ما توافق عليه أعضاء الجمعية العامة مصدرو القرار، ولو شاؤوا منحها صلاحيات اأوسع في اتخاذ قرارات ملزمة واجبة النفاذ لنص على ذلك في القرار صراحة.

وكما هو ثابت قانوناً وعرفاً فإن التوصيات تكون غير ملزمة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة ولها حق الأخذ بها أو لا. وهذا بخلاف سلطة اتخاذ القرارات التي يباشرها مجلس الأمن وفقا للميثاق، إذ تكون هذه القرارات ملزمة يتعين على الأعضاء احترامها وتنفيذها حين تتخذ القرارات وفقا للفصل السابع الخاص بتدابير المنع والقمع ضد الدولة المعتدية أو المهددة للسلم والأمن الدوليين.

وذلك لأن قرار متحدون من أجل السلام أعطى الجمعية العامة اختصاصاً موضوعياً في نظر المسائل المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين كاستثناء مقيد في نظر هذه المسائل ومناقشتها والتعرض لها كاختصاص تكميلي لاختصاص مجلس الأمن في حال فشل في استصدار قرار في حال حصول تهديد للسلم والأمن الدوليين بسبب اعتراض أحد الأعضاء الدائمين دون أن يعطيها صلاحية إصدار قرارات ملزمة لأعضاء الأمم المتحدة كما هو الحال في قرارات مجلس الأمن، فالجمعية العامة لا تحل كبديل عن مجلس الأمن وإنما دورها تكميلي وينعقد لها الاختصاص الموضوعي للبت في المسائل المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين وتقديم توصيات باتخاذ تدابير جماعية لحفظ السلم والأمن الدوليين.

رأي قانوني شخصي
أما من وجهة نظري الشخصية وبعد استعراضي لجميع الدورات الاستثنائية الطارئة العشر التي عقدتها الجمعية العامة منذ سنة 1956 وحتى سنة 2017 والقرارات التي صدرت فيها وما نفذ منها فعلياً، وقراءتي للظروف التاريخية التي صدر بها القرار 377 سنة 1950 وبعنوان متحدون من أجل السلام وفيما يخص جزئية الصفة الإلزامية للقرارات التي تصدرها الجمعية العامة وفق هذا القرار، أرى من حيث المبدأ الوقوف على نص القرار مع استجلاء روح النص وقراءته جميع بنود القرار كوحدة واحدة متصلة في دلالتها:

1. القرار استحدث دورة جلسة استثنائية طارئة تنعقد خلال 24 ساعة من فشل مجلس الأمن في استصدار قرار خاص بحفظ السلم والأمن الدوليين بسب عدم إجماع الأعضاء الدائمين.

2. يعطي الجمعية العامة اختصاصاً استثنائياً في مناقشة المسائل المرتبطة بحفظ السلم والأمن الدوليين وهي هنا تمارسه كبديل عن مجلس الأمن الذي أخفق في أداء هذه المهمة.

3. من حيث طبيعة القرارات الصادرة بموجب هذا القرار فهي توصيات ولكنها تختلف عن التوصيات التي تصدرها الجمعية العامة في ظروفها الاعتيادية وأهم اوجه الاختلاف أن هذه التوصيات تكون توصيات باتخاذ تدابير جماعية، وهذه التوصيات يجب أن تكون ملائمة للموضوع محل البحث والنقاش وتؤدي الغرض من أجل حفظ السلم والأمن الدوليين ولكنها توصيات من حيث الأصل العام غير ملزمة للأعضاء قانوناً فلهم حرية الاختيار بين الأخذ بها تنفيذها أو تركها ولكن ما يميز هذه التوصيات هي أنها تكون باتخاذ تدابير جماعية، بمعنى ليست موجهة لدولة واحدة بعينها وإنما لجميع الدول، وقطعاً سيكون من بينها من يختار أن ينفذ هذه التوصيات بشرط أن يكون قادراً على وضعها موضع التنفيذ وضمان إلزام الآخرين بعدم منعه من ذلك وهذا يستلزم أن يملك القوة لفعل ذلك واقعياً.

4. أما فيما يخص القرار رقم (22/10) الصادر في 21 ديسمبر 2017 حول القدس فإن هذا القرار تضمن توصيات عامة جاءت تكراراً وتأكيداً على قرارات سابقة أصدرها مجلس الأمن وهذه القرارات ملزمة حكماً وفق أحكام المادة (25) من ميثاق الأمم المتحدة ويجب على الدول الأعضاء احترامها وتنفيذها.

5. ولم يتضمن القرار أي توصية باتخاذ أي تدابير جماعية لحفظ السلم والأمن الدوليين بعد فشل مجلس الأمن في فعل ذلك، وكان بإمكان الجمعية العامة تضمينه توصية بإنشاء لجنة تحقيق وتقصي حقائق تمنح صلاحيات تنفيذية في اتخاذ إجراءات رادعة تحقق حفظ السلم والأمن الدوليين.

من حيث النتيجة فالقرارالصادر غير ملزم بذاته لأنه مجرد توصيات عامة، هذا ما يؤكده مضمون هذه التوصيات، ولا يمنحه الصفة الإلزامية كونه تضمن الدعوة لاحترام قرارات صادرة عن مجلس الأمن تحمل صفة الإلزام، لأن الأعضاء ملزمون قانوناً بالتقيد بأحكام الميثاق، وخاصة إن استحضرنا أن فشل مجلس الأمن كان في استصدار قرار للتأكيد على احترام هذه القرارات وليس وضع حد لانتهاكها.

والله تعالى أعلم...
9CCA9ABB-3959-4C11-9859-245652445B40
معتز المسلوخي

محامي وباحث قانوني مقيم في قطر... عضو الأمانة العامة ورئيس اللجنة القانونية في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج وعضو منظمة العفو الدولية.