هل يمكن العودة بالزمن لإصلاح أخطائنا؟
يتعرّض البطل في مسلسل "الصفارة" (تأليف أحمد أمين وإخراج علاء إسماعيل) لموقف يخيّب كلّ توقعاته وآماله، ما يدفعه لتغيير مسار حياته لما لم يكن يتوقّعه أبداً، إلى أن تظهر طريقة تجعله يعود إلى الماضي لمدّة ثلاث دقائق فقط، ليغيّر ما يستطيع تغييره في تلك الدقائق، ثمّ يعود بعدها، مرّة أخرى، إلى الوقت الذي غادر منه، أي الحاضر، فيجد نفسه في عالمه الجديد الذي قام بالكامل على ما غيّره في الثلاث دقائق الممنوحة إليه.
لا دخل للصفارة (وسيلة العودة في الزمن) فيما حدث ويحدث. الأمر كلّه متعلّق بقرارات الشخص ذاته التي يتخذها كلّ مرّة. وحدها القرارات المتخذة ما يشكّل مستقبله وحاضره الذي يعود إليه، ليجد نفسه في مسار بديل عمّا رفضه منذ البداية. مسار مختلف تمام الاختلاف عمّا كان يدور بعقله، لكنه يحاول تقبّله وتعديله، أو التعايش معه كما هو، حتى يكتشف أنه لا يستطيع، فيعود ليُحاول من جديد.
في كلّ المرات السابقة، يُفاجأ بطلنا بأنّه اتخذ قرارات لا يعرف كيف أو لماذا قام باتخاذها، ليكتشف أنّه حاول البعد عن مصيره السابق، فوجد نفسه في النهاية على الطرف النقيض، مما كان يطمح إليه. فمرّة يجد نفسه يمثل كلّ ما هو مبتذل وسطحي وغير لائق من وجهة نظره، لكنه في النهاية هو من وضع نفسه على هذا الطريق وتابع السير.
مرّة أخرى، وجد نفسه شخصاً جشعاً لا يجد الوقت لممارسة أيّ شيء سوى العمل لزيادة أرصدته في البنوك، والعمل على اسم شركته، ويفاجأ بكلّ ما يحدث من حوله، متناسياً، أو ربّما غير عالمٍ للحظات، أنّه وحده المسؤول عن وضعه الحالي، وكلّ أوضاعه السابقة. حتى المرّة الوحيدة التي شعر فيها بأنه حصل على أقرب نسخة مما كان يحلم به، حدث شيء خارج عن إرادته (كما حدث في النسخة الأولى)، وجعله يعود إلى نقطة الصفر من جديد.
علينا أن نفعل دوماً ما علينا فعله، وأن نتمنى أن نكون متقنين وناجحين فيما نفعل، بغضّ النظر عن النتائج
ينتهي العمل بطرح فكرة أنّه لا مجال لمعاندة القدر، ولا فرصة أمامنا للتحكّم فيما هو خارج عن إرادتنا. لأنّه في كلّ المرات التي عاد فيها البطل ليحاول تجنّب مسار بعينه، كان يمشي بأيّ اتجاه ما وهو غير مدرك لعواقب تلك اللحظات البسيطة التي تغيّر مستقبله بالكامل في كلّ مرة، وغير مدرك أنّه يملك بداخله بعضاً من تلك الشخصيات الغريبة التي لا يعرف لماذا تحوّل إليها، وبعض الصفات التي كان يستهجنها عندما يعود. وفي كلّ المرات، كان يشكل ماضيه وحاضره بما يعتمل في نفسه، ووحده كان المسؤول عن قراراته التي لم تعجبه، لأنها لم تتماش مع الخيال أو الفكرة الوحيدة المسيطرة عليه، والتي لم يرض بسواها.
ما يحدث من حولنا وما يفعله الآخرون لا يمكننا السيطرة عليه بكلّ تأكيد، أو التدخل فيه بأيّ شكل من الأشكال. كلّ ما علينا فعله هو العمل على ما نستطيع التحكّم به، والرضا بالنتائج التي سنحصل عليها في النهاية بغضّ النظر عن التخيّلات أو السيناريوهات العظيمة التي رسمناها، لكنها لم تحدث.
قد نستطيع العودة بالزمن يوماً ما في المستقبل، وقد نستطيع تعديل الكثير من الأخطاء التي قد تغيّر أوضاعنا للأفضل، وقد نغيّر ما هو أكبر وأهم من ذلك في تاريخ العالم، لكن لن يمكّننا هذا من تغيير الجميع من حولنا، أو تغيير مشاعرهم نحونا، ولن يجعلنا هذا راضين عن البديل بعدما تصوّرنا أنّنا ملكنا مفاتيح الزمن، وما دمنا لم نحصل على ما نبحث عنه.
في كلّ الحالات، علينا أن نفعل ما علينا فعله، وأن نتمنى أن نكون متقنين وناجحين فيما نفعل، فلا يعود أمامنا سوى أن نرضى عن النتائج، بعدما قمنا بواجبنا تجاه أنفسنا، ولم يعد بأيدينا سوى الانتظار ورؤية ما سيجلبه لنا المستقبل.