من طوفان الأقصى إلى طوفان الأسى
عبد الحفيظ العمري
متسمرون أمام الفضائيات نتابع جولة الصراع الجديدة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، نفس المشاهد تعيد نفسها في كلّ جولة صراع، أنا أتحدث من جهة الكيان الصهيوني؛ الذي ما فتئ يقتل ويدمر، بلا أدنى مراعاة لأيّ مشاعر إنسانية، كلّ شيء على أرض غزة، البشر والشجر والحجر وإلخ...
هذا ديدنه دائماً؛ فكل حروبه بلا أخلاق، خصوصاً في هذه المنازلة، التي بدأ الكيان الغاصب يتصرف فيها كثور هائج ينطح كل ما يلاقيه أمامه...
الجديد في الأمر هو كمّ الأكاذيب التي يلفقها على فصائل المقاومة التي أهانته في صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فاتهمهم بقتل الرضّع واغتصاب النساء، وراجت الكذبة بفعل آلة إسرائيل الإعلامية الرهيبة، حتى رددها الإعلام الغربي، بل وصل الأمر أن رددها رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن نفسه!
لكنّ العقلاء كان لهم دور في تفنيد هذه الروايات الواهية؛ فها هو الصحافي الإسرائيلي أورن زيڤ يكتب على صفحته: "تجولت في المنطقة إياها مع وفد إعلامي بصحبة الجيش، تحدثنا إلى الناطق باسم الجيش، لا شيء من هذا القبيل".
مما دفع البيت الأبيض إلى تدارك الأمر، فأرسل توضيحاً إلى صحيفة واشنطن بوست قال فيه إنه لا بايدن ولا غيره من مسؤولي البيت الأبيض شاهدوا أطفالاً مقطوعي الرؤوس، وإن مصدر المعلومة هو مكتب نتنياهو!
إنه صراع يستخدم فيه الكيان الصهيوني كل الأدوات، حتى القذرة منها، في تأجيجه؛ ففي التاسع من أكتوبر الجاري صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت: "نفرض حصاراً كاملاً على قطاع غزة؛ لا كهرباء لا طعام ولا ماء ولا غاز… كل شيء مغلق"، معللاً: "نحن نقاتل حيوانات، ونتصرف وفقاً لذلك".
هكذا ينظرون إلى خصومهم العرب، وأظن النظرة تشمل كل عربي من المحيط إلى الخليج، وليس أهل فلسطين وحدهم!
نحن أمام فصل جديد من جولات الصراع، جولة قد بان بعض مراميها، مما جادت بها التسريبات؛ فهناك تهجير يُراد لأهل قطاع غزة إلى جنوبها تمهيداً لتوطينهم في صحراء سيناء المصرية!
(نسخة مع التحية للمطبعين العرب!)
وقبيل جولة الصراع الجارية، بالتحديد في 19 مارس/آذار الماضي، قال رئيس حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل وزير المالية الحالي، خلال مشاركته بأمسية بالعاصمة الفرنسية باريس: "لا شيء اسمه الشعب الفلسطيني، فهو اختراع وهمي لم يتجاوز عمره 100 سنة". وفق ما أفادت به صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية.
هذا ما ند عنهم من تصريحات، وما خفى أعظم..
هذه التصريحات هي تجريد الضحية من صفات الإنسانية، لأن هذا هو السبيل، من وجهة نظرهم، لإقناع العالم بشرعية الإبادة الجارية في أرض الرباط، لذا لا نستغرب من حجم المجازر المتلاحقة التي يرتكبونها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، سواء في غزة أو في الضفة الغربية.
فهم يحاربون اليوم على الطريقة الشكسبيرية: نكون أو لا نكون!
نكون على هذه الأرض التي اغتصبناها من أهلها في غفلة عن العالم، أو نعود للشتات...
وعلى الجانب الآخر رجال المقاومة الفلسطينية يقاتلون بنفس الطريقة، لأنّ هذه أرضهم ولا بديل عنها...
إذاً؛ مَنْ هم خارج هذه المعادلة؟
إنهم العرب العاطفيون أو اللاهون في ملاذاتهم، وكأنّها ليست معركتهم، فتركوا الفلسطينيين وحدهم، وظهورهم على الجدار.
ألا يدرك العرب أن ما يجري في غزة اليوم سينتقل غداً إلى عواصمهم الفخمة؟
الآخرون خارج هذه المعادلة هم ساسة العالم ممن يغمضون عيونهم ويصمون آذانهم، فلا ترى وتسمع إلا ما أرادت آلة الكيان الصهيوني الإعلامية الكاذبة.
والغريب أن شعوبهم تنطلق في تظاهرات منددة بما يجري في غزة!
نحن أمام فصل جديد من جولات الصراع، جولة قد بان بعض مراميها، مما جادت بها التسريبات؛ فهناك تهجير يُراد لأهل قطاع غزة إلى جنوبها تمهيداً لتوطينهم في صحراء سيناء المصرية!
فهل نحن على أبواب 1948 جديدة؟
الله أعلم.