ملف| النظام العربي الرسمي ودور الكومبارس (19)

ملف| النظام العربي الرسمي ودور الكومبارس (19)

16 يناير 2024
+ الخط -

تبدو حرب الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزّة كفيلم يُشاهد على البثّ المباشر، فكلّ مشهد فيها، عسكريًا كان أو سياسيًا أو إعلاميا، هو خبر مثير للانتباه وقابل للتعليق والتحليل، ومعبّرٌ عن أبعاد عميقة ومتعدّدة عن أكثر من جهة وقضية. 

في ذاكرتي مشاهد كثيرة من هذه الحرب الكاشفة لعدّة حقائق، وما يهمني منها في هذا المقال هو ما يرتبط بالنظام الرسمي العربي، هذا النظام الذي تأكد مرّة أخرى عجزه الذي لا يمكن إصلاحه،  وغيابه عن المشهد السياسي العالمي، قولًا وفعلًا، إلا ما ندر. ما يجعلنا نتساءل: هل يتعلّق الأمر فعلًا بنظام سياسي أم شيء آخر؟

لا أرى لهذا النظام أيّ فعل أو قول إيجابي جدير بالتسجيل، سوى ربّما، سماحه بجمع المساعدات لأهالي غزّة، وإن كان الجهد الأكبر في هذا يعود للشعوب التي هبّت انتصارًا لأهل غزّة، وفلسطين عمومًا. هذا هو الأمر الوحيد الذي قام به هذا النظام، وهو أمر لا علاقة له بالسياسة، بل مجرّد هيئة خيرية لتقديم المساعدات. وحتى في هذا نجده فاشلًا في المهمة وعاجزًا عن إيصال المساعدات إلى الضحايا. بل ويبدو ككائن مغلوب على أمره، تابع  لا حول له ولا قوة، يؤدي دور الكومبارس في هذه الحرب، وفي واقع السياسة الدولية عمومًا.

ويكفي أن نستعيد بعض المشاهد للتأكّد من ذلك.

أولًا، إنّ  مشهد رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، وهو يخاطب ملوك ورؤساء المنطقة، بعد أحد اجتماعاتهم، بقوله بوجه عابسٍ وغاضبٍ "إذا أردتم البقاء في عروشكم عليكم إدانة حماس والتزام الصمت". مع هذا الكلام المهين، والذي يعكس احتقارًا لهؤلاء المسؤولين ولشعوبهم، دون أن نسمع منهم، ومن دولهم، أيّ تعليق يعبّر عن حدٍّ أدنى من الكرامة والمسؤولية! هذا الصمت يعني أنّهم مأمورون ومجرّد تلامذة أو عمال من درجة دنيا أمام نتنياهو، ومن ورائه. وهو ما يجعلنا نتساءل: بأي وجه وكرامة يواجه هذا النظام مواطنيه؟ أيّة مصداقية يمكن أن تكون له؟ هل ما زالت له الجرأة ليخطب فيهم؟ هل ينتظر منهم أن ينقذوه إذا انتهت صلاحيته؟ 

المسافة شاسعة بين النظام العربي الرسمي وطموحات العرب في التقدّم والنهوض والدفاع عن قضاياهم والحضور الفاعل في نحت النظام العالمي الجديد

ثانيًا، هناك مشهد اللقاءات المتكرّرة لوزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن مع زعماء المنطقة، وخاصة طريقة حضور هؤلاء الزعماء، وتقاسيم وجوههم، مواقفهم، غيابهم أحيانا عن الندوات الصحافية مع الوزير الأميركي، وحديثهم الباهت إن حضروا. هل كانوا في لقاءات حوارية للدفاع عن مواقف شعوبهم أم كانت حصة للتدريس والإملاء؟ هل كانت لقاءات للكلام أم للصمت؟ لماذا يعبّر بلينكن عن آرائهم في قضايا المنطقة ولا يصدحون بها هم مباشرة؟ هل هو غياب اختيار أم اضطرار؟ 

ثالثا، أين موقف النظام الرسمي العربي من مواقف دول أخرى كتركيا وإيران وجنوب أفريقيا ودول من أميركا اللاتينية ومواقف رؤساء حكومات ووزراء إسبانيا وبلجيكا وأيرلندا؟ نعني مواقفهم السياسية العلنية في الإعلام، وفي المنظمات الدولية، وما يقدمونه من أفكار ومبادرات نوعية، من شأنها دعم الفلسطينيين. وأين الجامعة العربية من كلّ ما يحدث، سوى ببيان أو بيانين ميتين؟ أين مواقف هذا النظام من رغبة الشعوب العربية في التحرّك والتظاهر؟ بل ونجد أنّ هذا النظام، مارس كلّ وسائل الحصار والقمع لمحاولات التظاهر، ووصل الأمر حدّ معاقبة من يجاهر بمواقفه (خاصة في مصر والسعودية)، بينما في الدول التي ذكرنا خرجت مظاهرات وقادها سياسيون وزعماء من تلك البلدان. حتى البلدان الداعمة لاسرائيل، سمحت بالتظاهر لنصرة الفلسطينيين وضد الحرب، وإن كان ذلك بعد تردّد. 

هذا غيض من فيض المشاهد عن واقع النظام الرسمي العربي، والتي تؤكد ضعف هذا النظام وفقدانه النهائي لدوره، وأيضًا المسافة الشاسعة بينه وبين طموحات العرب في التقدّم والنهوض والدفاع عن قضاياهم والحضور الفاعل في نحت النظام العالمي الجديد. 

إلى أيّ حد يمكن أن يستمر هذا النظام؟ وكيف يمكن تغييره؟ أيّ دور للشعوب والنخب الفكرية والسياسية، خصوصا في تعديل البوصلة؟ وكيف يمكن أن تدفع إلى ذلك، خاصة مع الفرص التي تمنحها وسائل التواصل الاجتماعي؟ كيف يمكن البناء على ما حققّه الربيع العربي من وعي بأهمية وضرورة التغيير؟ هل يمكن البناء على تجربة التغييرات الأفريقية الأخيرة للقطع مع الأنظمة، ومن وراءها؟

أسئلة ليس من السهل الإجابة عنها في واقع دولي تسعى فيه القوى الكبرى إلى المحافظة على مواقع نفوذها، وخاصة في المنطقة العربية، حيث نتذكر جميعا مآلات الربيع العربي.

مدونات
مدونات

مدونات العربي الجديد

مدونات العربي الجديد
النصّ مشاركة في ملف| غزّة لحظة عالمية كاشفة، شارك معنا: www.alaraby.co.uk/blogsterms