معركة طوفان وسائل التواصل الاجتماعي
عقب السابع من أكتوبر انحدر الإعلام الغربي إلى مستويات غير مسبوقة من التضليل، ونشر الكراهية، وتسابق الإعلاميون في استرضاء إسرائيل على حساب دم الفلسطينيين.
في خضم هذا المشهد كانت هناك أصوات تخوض معارك إعلامية لا تقلّ شراسة عن معارك الميدان، ومعارك السلاح؛ ليتحوّل المشهد جملةً وتفصيلًا إلى حملة شعبية مضادّة، تصاعدت بعد انكشافٍ فاضحٍ للخطاب السياسي والإعلامي الغربي المنحاز إلى صالح إسرائيل الذي يزرع في وعي المتلقّي الأوروبي والدولي عامة أنّ الشعب الفلسطيني هو المعتدي وأنّ إسرائيل في حالة دفاع عن النفس. في حين أنّ إسرائيل قامت على أساس تطهير عرقي في فلسطين منذ عام 1948 وما زالت إلى اليوم تمارس الفضائح والجرائم بحقّ الفلسطينيين ومع ذلك لا تُسأل!
لقد واجه الشباب الفلسطيني هذه المعركة على وسائل التواصل الاجتماعي خارج فلسطين حيث استخدموا منصّاتهم من أجل تسليط الضوء على ما يجري هناك، وقد استقطب هذا المحتوى الخام ملايين المشاهدات وأسهم في نشر الوعي حيال الظروف المفجعة التي يرزح تحتها الفلسطينيون. بالإضافة إلى التغطية التي يقوم بها مراسلون من داخل غزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما أحدث مفارقات في سياق أنسنة القضية الفلسطينية، أي تغليب البعد الإنساني فيها ونزع التعريف الوطني السياسي عنها.
وبفضل تنامي التغطية الشفافة من قِبَل المراسلين المستقلّين على الأرض في غزة، بدأ الناس يشكّكون أكثر فأكثر في تحيّز وسائل الإعلام التقليدية الغربية مقارنةً بوسائل التواصل الاجتماعي. ورغم الدم الفلسطيني النازف منذ عشرة أشهر بلا توقّف، استطاع ذلك الدم والجوع الفلسطيني الممزوج بالإرادة والتحدّي والمقاومة والصمود الانتصار الفعلي على آلة الكذب الإسرائيلية في معركة تجنيد الرأي العام الدولي.
بفضل تنامي التغطية الشفافة من قِبَل المراسلين المستقلّين على الأرض في غزة، بدأ الناس يشكّكون أكثر فأكثر في تحيّز وسائل الإعلام التقليدية الغربية مقارنة بوسائل التواصل الاجتماعي
ومواجهة شراسة التزوير الذي مارسته الدعاية الإسرائيلية بعد عملية طوفان الأقصى، والذي أدّى إلى انحسارها، الأمر الذي يتطلّب من الكلّ الفلسطيني استثمار تلك المتغيّرات الدولية وتجييشها وتجنيدها وتحويلها إلى قرارات فاعلة لوقف الحرب على غزة.
لم يعد الإعلام التقليدي اليوم قادرًا أن يسيطر على وعي شعوب العالم؛ لأنّ ثمّة جيلًا متعلّمًا من الشباب الفلسطيني خرج من تجربة الشتات والمنافي يستطيع أن يخاطب العالم بلغة يفهمها.
على مدار عقود زرعت الرواية التقليدية لوسائل الإعلام التقليدية أنّ إسرائيل في حالة دفاع عن نفسها وأنّ الفلسطينيين هم من يمارسون العنف. في الوقت الذي خرج فيه رئيس وزراء إسرائيل في أول يوم في الحرب على غزة مقتبسًا من التوراة: "اقتلوا رجالهم ونساءهم وأطفالهم وحيواناتهم وخيولهم وحميرهم ولا تبقوا على شيء" أليست هذه نيّة واضحة لارتكاب هذه الإبادة؟
إن كان هناك عدالة فالأجدر أن يتمّ التنديد بإسرائيل أولًا؛ لأنّ إسرائيل هي القائمة بحالة الاحتلال والحصار والتطهير العرقي، ثم أنّه وبقوة المنطق أليس أساس العنف الاحتلال؟
الاحتلال الذي يمنع عنك إنسانيتك، وحقوقك، وهويتك، وحركتك، ويمنع عنك الماء والهواء والدواء؛ أليس هذا قمّة العنف في الدنيا والإرهاب؟ أم أنّ دم الفلسطيني مستباح وأقلّ أهمية من دم الإسرائيلي؟
إنّ إسرائيل هي من يجب أن تُدان وليس الفلسطيني؛ لأنّ إسرائيل هي من تستخدم العنف ضدّ المدنيين في غزة وترهبهم، وتمارس عليهم الوحشية، والقمعية الانتقامية بما في ذلك التدمير الهمجي للبنية التحتية، وشبكات المياه والكهرباء والمجاري، والمدارس، والمستشفيات والعيادات الطبية وجميع الجامعات، ونسف وتدمير ما قد لا يقلّ عن 90% من مساكن غزّة وبيوتها والقتل الجماعي بالقصف لأحياء وعائلات بأكملها وللمدنيين العزّل، من دون سبب أو مبرّر بالإضافة إلى عمليات الإعدام الميدانية لمئات الغزّيين، ودفن بعضهم أحياء في مقابر جماعية، والمعاملة اللاإنسانية للأسرى والمعتقلين، بتعريتهم وضربهم وتعذيبهم، وإهانة كرامتهم. نحن رفضنا فقط هذا رفضنا أن نكون في خانة الدفاع وتحوّلنا إلى خانة الهجوم؛ لأنّ إسرائيل هي من نشأت بقرار بريطاني، نشأت بوعد بلفور المشؤوم الذي وعد بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وعليه؛ ما دامت إسرائيل تحاصرنا من كل الزوايا سواء على المستوى الرسمي أو السياسي أو الشعبي أو الإنساني من خلال الإعلام، إنّ لنا أدواتنا الفاعلة في نقل الحقيقة ودعم المقاومة والنضال من خلال معركة الرأي العام.