معركة إضافية على ضفاف العمر
ثمة حكايات عابرة أمام الأنظار، لكنها تترك خوفاً عارماً، توّلد مشاعر مربكة، وأمنيات بالخلاص حتى من شبح حدوثها وتكرارها مع العابرين الحاضرين أثناء حدوثها.
يجرى تناقل قصص النساء الوحيدات المتقدمات في العمر في أطر متعددة، البعض يستخدمها للشماتة والسخرية، خاصة عندما ترتبط الحكاية بشخصية من ضمن العائلة تبدلت أحوالها المادية وتراجعت سلطتها الوظيفية أو العائلية، مثل والدة زوج متحكمة أو والدة لا تحترم خصوصية باقي أفراد الأسرة من أخوة وأبناء وبنات.
كما يجرى تناقل حكايات نساء غدرت بهن ظروف الحيلة، فأخذت منهن الرجال والشركاء أو غيبت أبناءهن وبناتهن ورمت بهم في مجاهل بلاد بعيدة وغريبة، ما يؤدي إلى انقطاع حاد ومؤذ في سبل التواصل وفي إمكانيات تقديم الدعم المادي والعاطفي والمشاركة في الرعاية والعناية الصحية والنفسية والخدمية، وتعيق تقديم الاهتمام اليومي أو المتابعة اللازمة لحفظ حيوات النساء وكرامتهن وسبل عيشهن.
غالبا ما ترفق النساء اللواتي يتناقلن القصص المؤلمة عن سواهن من النساء عبارة "الله لا يجربنا" أو "الله يسترنا" أو "الله يحسن ختامنا ولا يبهدلنا"، وكلها عبارات تؤكد المخاوف بشدة ولا تنقلها فحسب، يفيض إناء تناقل الحكايات بخوف عظيم من الإصابة بالعدوى أو تكرار هذه الحالات القاسية واللاإنسانية مع النساء الراويات أو الناقلات لهذه القصص بحيادية ظاهرية، لكنها في العمق هي صرخة عميقة ومدوية وطلب مؤثر ومؤكد للحماية من كل هذه النتائج المأساوية والمعيقة للحياة، والتي تكسر كرامة تلك النساء وتضعهن على هامش العيش الكريم وعلى هامش الحقوق التعويضية في ذات الوقت.
يعتبر سن التقاعد، أي عمر الستين سنة، مرحلة فاصلة في حياة النساء بشكل عام، وخاصة الوحيدات أو الموظفات المتقاعدات على أساس شريحة أجور منخفضة أساساً، فهن عاجزات في هذا العمر من تأمين عمل جديد ومدر للدخل، كما أنهن عاجزات فعلياً عن تدبر شؤون حيواتهن في ظل انخفاض الرواتب التقاعدية والتراجع الحاد في هوامش الدعم، الذي ما زال يقتصر بصورة شبه عامة ومطلقة على العائلة لغياب المؤسسات الضامنة والحامية للنساء في هذه المرحلة التي تتحول لمأساوية في حيوات النساء.
يعتبر سن التقاعد، أي عمر الستين سنة، مرحلة فاصلة في حياة النساء بشكل عام وخاصة الوحيدات أو الموظفات المتقاعدات على أساس شريحة أجور منخفضة أساساً
عندما طلبت منيرة مبلغاً محدداً من عائلة أخيها مقابل رعاية طفلي العائلة، اتهمها شقيقها وزوجته بالطمع وبقلة المحبة وعدم الوفاء للصلات العائلية، اضطرت منيرة للتوقف عن استقبال الطفلين في بيتها لأنها تمكنت من الحصول على فرصة رعاية سيدة متقدمة في العمر وتحتاج مقيمة دائمة معها، أمّن هذا العمل حماية اقتصادية لمنيرة. لكن العائلة قاطعتها وفقدت منيرة بصورة مطلقة خصوصيتها ووقتها الخاص الذي فرض عليها عملها الجديد التخلي عنه لصالح السيدة التي تقدم لها خدماتها. وباتت مريم مطالبة بخدمات إضافية لأفراد عائلة السيدة المسنة ولضيوفها، وكلها أعمال تنافي حقها بالخصوصية أو الراحة ومغلفة بالإجحاف، لأنها تتضمن أعمالا إضافية لم تذكر عند بداية العمل ومرحلة الاتفاق على الأجر مقابل خدمات محددة، تحولت إلى خدمات عامة وشبه شاملة ومجحفة جدا.
تلجأ بعض النساء الوحيدات إلى زيارة سيدات موسرات لتقديم خدمات مؤقتة لهن مثل حفر الكوسا أو إعداد الكبب مقابل أجر غير محدد وغير قابل للمناقشة، يترك لسجية السيدة صاحبة العمل، وقد تفوز بعض النساء بحصة غذائية قليلة أو بالدعوة إلى تناول ما تبقى من الوجبة الرئيسية أحياناً، وربما لا يتوفر لها ذلك أبدًا، وعندما طالبت إنعام إحدى السيدات بمنحها مبلغاً إضافيا لتغطية كلفة المواصلات العالية، وجهت لها السيدة عتباً قاسياً وتهديدًا جارحاً بتوقفها عن تأمين فرصة عمل أخرى لها.
لطالما تضطر النساء بعد سن التقاعد لخوض معارك فعلية، قاسية وخاسرة، فقط من أجل مواصلة الحياة ضمن الحدود الدنيا للعيش الكريم.