مراجعة متأخرة لحزب العدالة والتنمية المغربي
عبد السلام المساتي
لنتفق أولاً أنّ رفض التطبيع مع إسرائيل هو أحد الأسس الذي انبنت عليه الأرضية التأسيسية لحزب العدالة والتنمية المتفرّع عن واحدة من أكثر الحركات الإسلامية شعبية في المغرب، لذلك فقد كان من الطبيعي أن تخرج بعض الأصوات، من داخل الحزب، لتقول إنّ توقيع رئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني، على الاتفاق الثلاثي بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل، يعدّ انقلابا على المرجعية الفكرية المؤسسة للحزب، وقد وصل التصدّع حينها إلى المطالبة بإقالة العثماني وبمغادرة الحزب للائتلاف الحكومي.
حينها خرج عبد الإله بنكيران، في تصريح مصوّر، محاولاً تهدئة الوضع المشتعل داخل الحزب، إذ قال بالحرف: "أي مسؤول سبق له تحمّل مسؤولية حكومية يعرف أهمية هذا القرار الكبير ولا يتخيّل مدى حجمه.. لا يمكن رفض التوقيع على اتفاق التطبيع مع إسرائيل.. حزبنا عضو أساسي في بنية الدولة ويتخذ القرار في القضايا المصيرية".
إذن ما الذي حدث ليخرج لنا نفس الشخص، عبد الإله بنكيران، والذي يشغل منصب الأمين العام الحالي للحزب، عبر بيان رسمي لحزبه، منقلباً على كلّ ما قاله يوم 23 ديسمبر/ كانون الأول 2020، ومثيراً بذلك غضب القصر؟ هل للأمر علاقة بمراجعة فكرية وإيديولوجية متأخرة أم أنه لا يعدو أن يكون محاولة أخيرة للم شمل هيئات ومكونات الحزب؟
إنّ حداثة عهد أعضاء حزب العدالة والتنمية بالعمل من داخل مؤسسات الدولة وجهلهم بالكيفية التي تدار بها هذه المؤسسات، جعلهم ينخرطون بشكل عشوائي في دوامة السلطة
ليس بخفي على أحد أنّ إيمان حزب العدالة والتنمية بقدرته على تنزيل برنامجه الإصلاحي الإسلامي من داخل النظام، أي عبر المشاركة في الائتلاف الحكومي، كان بمثابة الخطوة الأولى في سلم الانهيار الذي أصاب الحزب ليصل منهكاً ومتفكّكاً إلى الانتخابات التشريعية الأخيرة، والتي حصل الحزب خلالها على 12 مقعداً برلمانياً فقط! فالعمل الحكومي، ليس بتلك الأريحية والاستقلالية التي اعتقدها إخوان بنكيران الذين وجدوا أنفسهم، فجأة، ينتقلون من مكاتب مقراتهم الحزبية الباردة إلى مكاتبهم الوزارية الدافئة. أقصد القول إنّ حداثة عهدهم بالعمل من داخل مؤسسات الدولة وجهلهم بالكيفية التي تدار بها هذه المؤسسات، جعلهم ينخرطون بشكل عشوائي في دوامة السلطة، فأصبحوا يلقون بخطابات مناقضة لمرجعيتهم الإسلامية وضاربة في مشروعهم الإصلاحي، وهو ما يعكسه تصريح عبد الاله بنكيران يوم 5 يونيو/ حزيران 2015: "حكومتي وحزبي ليسا إسلاميين". هذا التناقض اتخذ مسارا تصاعديا، حيث انتقل من الخطاب إلى أرض الواقع عبر مجموعة من القرارات والقوانين التي جرّدت الحزب من هويته الإسلامية وحولته إلى واحد من الأحزاب الإدارية التي لطالما هاجم توّجهها حزب العدالة والتنمية.
مع هذه الانزلاقات والانحرافات، من الطبيعي أن يصبح الحزب خارج دائرة الأحزاب القوية والمؤثرة في العمل السياسي في المغرب، خاصة وأنّ إيمان المغاربة بمشروع الحزب كان قويا، ليس فقط لكونه مؤسّسا على توّجه إسلامي، ولكن أيضا لأنّ مكوّنات وزعماء الحزب، كانوا جزءاً من المجتمع المغربي البسيط عبر انخراطهم المباشر وبشكل يومي في العمل مع المواطن المغربي. لذلك وبعد أن غادر الحزب العمل الحكومي بهزيمة مدوية، وبعد أن عاد بنكيران لقيادته، بدأت مكونات الحزب تعي هول الخطأ الذي ارتكبوه بتخليهم عن مشروعهم وخطابهم الإسلامي، فكان لابد من محاولة جديدة لإعادة بناء هذا المشروع وإعادة بناء جسر الثقة بينهم وبين المغاربة، الأمر الذي يجعلنا نعتقد أن بيان الحزب بخصوص وزير الخارجية المغربي والقضية الفلسطينية، هو نقطة بداية لهذه المحاولة.