لهذا هي انتخابات... أن نكون أو لا نكون!
لم ينم أصدقائي، ولا من أعرفهم من المصريين هنا عمومًا ليلتها، ولا الليلة التي سبقتها. كما تجدّد عهدهم بالأرق والقلق لأسبوعين آخرين حتى جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة التركية 2023. نزل المجنّسون إلى التصويت من الساعة السابعة صباحًا، قبل الأتراك، فبالنسبة للمواطنين، بقدر ما هي مصيرية، تعني للبعض المزيد من التقدم والنهضة والاستقلال، وتعني في أسوأ سيناريوهاتها لآخرين العودة إلى الوراء، فلن تكون بأيّ حال مثل سيناريو عودة الأجانب إلى بلادهم، أو بالنسبة لنا، لن يكون هناك أسوأ من العودة إلى مصر (مصر النظام لا الوطن)، لأنّ أحدًا ما سيكون باستقبالك على باب الطائرة، ليقودك نحو مجهول طويل الأمد.
مجموعات الأجانب على مواقع التواصل كانت حافلة، عالم موازٍ للعالم التركيّ، يكاد يكون أكثر نشاطًا وقلقًا منه؛ الجميع يسأل ويترقب، ومتابعة النتائج حامية حتى اللحظة الأخيرة، والعيون صوب أردوغان، الرجل الذي يمكنك الاختلاف معه كما شئت: انتقد أيّ ملفات يديرها، وأيّ أمور يقيّدها، وأيّ لغة يتحدث بها... ولكن من فضلك، رجاءً لا تدع منافسه يأتي إلى الحكم، ولا تتمنَّ ذلك، لأنّ ملايين الفارّين من بلادهم، من سورية ومصر والعراق وفلسطين وتركستان الشرقية وأفغانستان، سيكونون رهن جرّة قلم لتنفيذ الرئيس المحتمل أوّل وعوده الانتخابية، والتي غازل بها عقولًا تقطّر عنصرية، بأدمغة متطرفة في قوميتها، لا تفهم انصهار العالم الآن!
لم أتخيّل أنني سأتعرّق بهذا القدر في انتظار النتيجة، لم تتحرك عينيّ من على التلفاز لحظة، ولا المواقع التي تُحدّث النتيجة تلقائيًّا مع فرز كلّ صوت جديد، التوتر كان يأكل من عينيّ اللتين لم تناما إلا ساعتين منذ الليلة السابقة، ويداي مرتبكتان لو تركتهما دون رقابة، إحداهما ستمزّق الأخرى، ولساني لا يكفّ عن الدعاء، لأنني لا أتخيّل نفسي مشحونًا إلى الكابوس مجددًا، ولا أتخيلني كذلك هاربًا وفي عنقي مسؤولية من أحبّ، لأعيد الكرة من جديد، في بلد جديد، ومع لغة جديدة، وشعب جديد، وبداية من الصفر، أو من السالب، وهذا إذا استطعت السفر!
ما الذي فعله الأجانب في تركيا حتى يكونوا ورقة انتخابية مغرية إلى هذا الحد؟
لا أعلم ما الذي فعله الأجانب في تركيا حتى يكونوا ورقة انتخابية مغرية إلى هذا الحد؟ وكيف لا يستوعب المعادون للمهاجرين أنّ وضع البلد الاقتصاديّ السيئ، لولاهم لصار أسوأ بكثير، لأنه يتغذّى على أعمارهم المُهدرة هنا، استثماراتهم أو عمالتهم، مقابل شيء واحد مدفوع الأجر، هو الأمان النسبيّ، لكنها.. لا تعمى الأبصار وإنما تعمى القلوب التي في الصدور!
أسبوعان آخران إذًا من الانتظار والترقب والكوابيس المزعجة أو الأحلام الوردية، ليلة بهذا وليلة بذاك، إلى أن يحين موعد الاقتراع القادم، ليس ليتحدّد مصير تركيا فقط، ولا أحد الرئيسين ومناصريه، وإنما ليتحدّد مصير الحياة والمعيشة والإقامة والأمن لتلك الجموع الغفيرة، التي تخشى الوقوف على المعابر ومعسكرات اللجوء ونوافذ تجار البشر للهجرة غير الشرعية، بينما يقف الأتراك في طوابير التصويت يوم الثامن والعشرين من مايو/ أيار الجاري.