لنجعل رمضان عيد الأمهات
رمضان أمٌّ، لا يحلو إلا بها، ولا مذاق له بدونها، هو شهر الأمّ والأسرة والوطن، فما أقسى أن تعيشه بعيداً عن أمك وأهلك وأحبابك ومدينتك...
رمضان أمّ تشعل فانوسها لتوقظك لتناول السحور، وإن كنت لا تشعر برغبة في ذلك، وتوصيك بأن تلحق بركعات الثلث الأخير من الليل، وتجبرك على الإفطار إن وجدتك مريضاً...
رمضان أمّ تذكرك في دعواتها، تبكي لأجلك في ابتهالاتها، تغمرك برضاها في ابتساماتها ولفتاتها وسكناتها... تصلّي من أجلك في كلّ أوقاتها. ورمضان تمرة تفقد حلاوتها إن لم تلامسها أنامل أمّي، وعصير كان يحلو بالقرب من أمّي.
رمضان بالنسبة لي، هو احتضان أمّي لمصحفها وترتيلها لآياته بصوتها، صلاة التراويح التي تروّح بها أمّي عن روحها، وخواتم مباركة بدعواتها، وصلاة تهجد تذكرني في سجداتها... رمضان جنة والأمّ فردوسها، عبادة والأمّ عمودها، رمضان فرصة والأمّ جائزتها، ويحلو أكثر بالأمومة..
الأمومة جنة، تكمن لذتها في التفاصيل، في أن أعدّ لأطفالي فطورهم الذي يختارونه بأنفسهم، وهم في الأصل لم يبلغوا سن الصيام بعد... وأنا أراقب الأيام التي تجري سريعاً وأراهم قد كبروا وصاروا يتسابقون على تدليلي، فهل هذا ما يحدث بالفعل مع الأمهات اللواتي كبر أطفالهن؟!
نعم إنّ كل شيء تلامسه الأمّ ونجد فيه أنفاسها يكون له جمال لا يقارن ولا يعوّض، لكني أستغرب حينما أسمع عن شابات وشبان في عزّ شبابهم وقوتهم وصحتهم ينامون طوال النهار، هروباً من إنهاك الصوم، وأمّهاتهم يعملن طوال الشهر على تجهيز أشهى أنواع المأكولات والعصائر والحلويات من أجلهم وأجلهن، وهن (الأمّهات) صائمات أصلا، إضافة لكبر عمرهن وتدهور صحتهن، بلا خجل ولا رحمة ولا مراعاة لضعفهن. أشعر بالسخط كلما رأيت شاباً (أو شابة) مؤمناً بأنّ الأمّ يجب أن تسخّر كلّ جهدها من أجله حتى آخر لحظة من حياتها، دون أن يفكر في إعطائها إعفاء من المهام التي تتطوّر وتتزايد مع تطوّر العصر! بل منهم من يتفنن في طلباته وتعليماته، ومن يضيف إلى كل هذا ضيوفاً يرى من الرجولة جلبهم ليتباهى بإبداع أمّه بغضّ النظر عن تعبها، يمارس ابتزازاً عاطفياً معها فقط ليفرض مركزاً اجتماعياً له.
رمضان جنة والأمّ فردوسها، عبادة والأمّ عمودها، رمضان فرصة والأمّ جائزتها
فمتى تحصل الأمّ على راحتها وجائزتها؟ متى نعطي الأمّ فرصة للشعور بلذة أمومتها، بدلاً عن الانصهار في أعمال منزلية إضافية؟ ماذا لو استبدلنا عيد الأمّ من يوم يتيم إلى شهر فضيل ترتاح فيه الأمّهات؟ لو جعلنا شهر رمضان شهر إجازة للأمّهات، نخفّف عنهن إنهاك الصوم في هذا الشهر الفضيل، ليستمتعن بوقت إضافي للتعبّد والروحانية، للهدوء والسكينة، فالأمّهات يجدن سعادتهن كلما وجدن وقتاً أكثر للروحانية، للتراويح والقرآن والتهجد.
هيا بنا نحوّل شهر رمضان من شهر الإنهاك والانتحار المنزلي إلى شهر بساطة وتقشف وصيام حقيقي، ونريح الأمّهات من إنهاك إضافي، ماذا لو تسلمنا نحن مسؤولية كل شيء نيابة عنهن، أو على الأقل خفّفنا الكثير من طلباتنا؟
رمضانَ مباركاً لكلّ الأمّهات، مبارك بهنّ ولهنّ.