لماذا لا نلاعب الإسرائيليين في الأولمبياد؟

09 اغسطس 2024
+ الخط -

بينما ينسحب لاعبون عرب أمام اللاعبين الإسرائيليين في أولمبياد باريس، وقبلها بطولات أخرى باختلاف أماكنها وأسمائها، يحتفل البعض بفوز لاعبة عربية على منافستها الإسرائيلية في لعبة الجودو، كأنها هزمتها في معركة، ومرغت أنفها في التراب في ميدان حقيقي، في حين تخرج اللاعبة الإسرائيلية منتصرةً من أول لحظة في المباراة، حتى لو انتهت بهزيمتها، بينما تنسحق اللاعبة العربية ولو فازت، أو حققت رقما قياسيا لم يقدر على مضاهاته غيرها في التاريخ، لا فرق، المهم أنها هُزمت من حيث أعلنوا فوزها!

والحقيقة أنني لا أفهم الدافع، لا أعرف السر، وراء استمرار مناقشة أمر بديهي كهذا حتى يومنا هذا، بل والدعوة إلى التعامل "ببراغماتية" مع فعل كهذا، تحت مبررات مثل انفصال الرياضة عن السياسة، وأن هزيمتهم في الألعاب أفضل من الانسحاب أمامهم، كأننا أمة هزمها عدوها في الجد، فبحثنا عن هزيمتهم في الهزل، بينما يبيدون رقعة كاملة غالية من أراضينا المحتلة في فلسطين، ويحاولون طمس ذلك الجزء من هويتنا وجغرافيتنا وتاريخنا، ساعين إلى أن يبلع البحر غزة، بينما نبلع نحن الماء بين كل شوطين أمام منافس "إسرائيلي"!

ذلك المنافس "الرياضي" الذي ربما عاد للتوّ من قصف الأبرياء في خانيونس، أو اغتصاب الرجال في سديه تيمان، أو التحرش بالأسيرات في سجن الدامون، وتلك اللاعبة التي ربما خلعت للتو بزتها العسكرية لترتدي بزتها الرياضية، لتنتقل من ذبح الفلسطينيين هنا، إلى الانحناء معًا في مربع واحد هناك، فتسفك دم الطفل في رفح، ثم تصافح أخته في فرنسا! يا لهناء الاحتلال بهكذا "أشقاء" عرب!

أي فوز عربي متوهم في ملاقاة فريق أو فرد إسرائيلي في أي بطولة رياضية هو محض جريمة جديدة، تضاف لسجل جرائم العرب في حق إخوتهم وقضيتهم وأرضهم ومقدساتهم

والأصل في مقاطعة هذه الألعاب يرجع إلى تحقير ذلك العدو، ومعاقبته، ولو بالانسحاب، وذلك من باب عزله جماهيرياً، دعك من العزلة الدولية وذلك العالم المختل، وإنما التعويل على أن تحتقر عدوك لدرجة أنك لا تعترف بوجوده، تنسحب أمام فراغ، وكعبك أعلى من رأسه، أما أن تقابله رأسًا برأس؟ وعينًا بعين؟ ويجمعك معه قانون لعبة واحد؟ وتتبادلان التحية من البداية؟ أو لا تتبادلانها كأنك تمثّل الكرامة بينما تتجرد منها في الحقيقة حين تقبل تلك "المنافسة" الأنانية لا اللعبة الفردية، فتلك فضيحة كبرى، ونقيصة، وخطيئة، وعار ضمن عارات بلادنا الكثيرة، وتطبيع رياضي، في أي مكان وزمان كان، لأن الرياضة لا تخطئ طريقها للسياسة أبدًا، بل هي البوابة الأكثر خفاءً وخفة لإقناع العالم بأن "إسرائيل" شعب ودولة! والحقيقة أنها لا تملك هذا ولا ذاك.

لا يهم الإسرائيلي فوزه أو خسارته، أن يصل إلى النهائي أو يخرج من التمهيدي، أن يلاعب الروسي أو الأميركي، إنما كل عينه على ذلك العربي الذي يكفيه أن تجمعهما صافرة واحدة، وليس مبالغة أنه لا يبالي بالعالم كله سواك، لأنه يريد الشعور بأنه جزء من ذلك الحيز الجغرافي والاجتماعي والثقافي، ليس معزولًا عنه ولا منبوذًا منه، فالرياضة فوز وخسارة، لا بأس بالنتيجة، بينما "التطبيع" مبدأ أوسع وأشمل، لا يُقبل فيه الانسحاب.

ولذا فإن أي فوز عربي متوهم في ملاقاة فريق أو فرد إسرائيلي في أي بطولة رياضية هو محض جريمة جديدة، تضاف إلى سجل جرائم العرب في حق إخوتهم وقضيتهم وأرضهم ومقدساتهم، وإن التعامل بحكم "الأمر الواقع" يسلب من المنطق لبه، فإن "إسرائيل" ليست فرنسا التي بعثت بجيشها ليحتل الجزائر، ولا أميركا التي أرسلت جيشها لفيتنام، ليست دولة لك معها ثأر وتاريخ من الصراع، وإنما "احتلال" مولود من عدم، ويسعى بمصافحتك إلى أن تعترف به، ومن بعد ذلك لا خسارة تعنيه ولا فوز، وقد ربح الجائزة الكبرى من أول صافرة الحكم!

أما عن الذهب والفضة والبرونز، ففي الحياة معادن أخرى أثمن من الذهب!