لماذا الهند خارج خريطة الإعلام العربي؟
فايز الحق
نعرف جيدًا أنّ هنالك علاقات تاريخية بين الهند والعالم العربي، إذ تتمتع العلاقات الهندية الخليجية بأهمية استراتيجية كبيرة لكلا الطرفين، وتستند إلى تاريخ طويل من التعاون والتبادل التجاري. كما ترتبط الهند ودول الخليج بعلاقات اقتصادية وثيقة، حيث تعدّ الهند أكبر مستورد للنفط من دول الخليج، وتستورد منها ما يقارب 80 في المائة من احتياجاتها النفطية. بالمقابل، دول الخليج هي أكبر مستثمر أجنبي في الهند، حيث تبلغ قيمة الاستثمارات الخليجية في الهند أكثر من 100 مليار دولار.
وتشترك الهند ودول الخليج في العديد من الاهتمامات السياسية، حيث هنالك أهمية ومصلحة للهند لمسائل وحدة واستقرار الخليج، ناهيك عن وجود علاقات ثقافية عريقة، حيث يشترك الطرفان في العديد من العادات والتقاليد المشتركة.
يُضاف لذلك وجود جالية هندية كبيرة في دول الخليج، تقدّر بحوالي 8 ملايين نسمة، كما تسعى الهند ودول الخليج إلى تعزيز العلاقات بينهما في المجالات كافة، وذلك من خلال عقد الاجتماعات الثنائية والمتعدّدة الأطراف، وتوقيع الاتفاقيات التجارية والاستثمارية، والتعاون في المجالات الأمنية والثقافية.
مع هذه الأهمية للعلاقات بين الطرفين، نجد بالمقابل أنّ القنوات الإخبارية العربية أو مواقعها تنشر مشاهد العنف ضد المسلمين في الهند وانتهاك مساجدهم والهجوم على المسيحيين والسيخ ومقدساتهم، وغيرها من الأخبار المتعلّقة بالهند، عبر أخذها من مواقع التواصل الاجتماعي أحيانا، أو استنادا لوكالات الأنباء الدولية، الأميركية والأوروبية، وأحيانا التركية للأنباء، بما يشير بأنّ ليس لديهم مراسلون في البلد.
الهند ليست في خريطة الإعلام العربي، ولهذا يتعثر العالم العربي في فهم ماذا يحدث في الهند اليوم
بعد عملية طوفان الأقصى، أعلن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، على وسائل التواصل الاجتماعي، أنّ بلده يقف مع الاحتلال. بعد ذلك قامت وزارة الخارجية الهندية بمحاولات للسيطرة على الضرر لصورة الهند في العالم العربي. وتحدث الناطق بلسان وزارة الخارجية الهندية في مؤتمر صحافي خاص حول هذا الموضوع، وكنّا ننتظر أحدًا من المراسلين لهذه المؤسسات أن يسأله إن كانت الهند تدعم حق الفلسطينيين على أراضيهم، فلماذا أعلن رئيس الوزراء مودي دعمه للاحتلال؟
في قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند العام الماضي، وصل كثير من الصحافيين من العالم العربي لتغطيتها، وكانوا موجودين في العاصمة الهندية حين جرى الإعلان عن الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي، فلماذا لم يسأل أحد عن جدوى هذا المشروع؟ وعندما تفاقمت أحداث الهجوم على مسلمي الهند، جاء ردّ فعل بعض المؤثرين العرب الذين أبدوا غضبًا ضد المعتدين. وردّ الفعل والغضب والتضامن مع مسلمي الهند أمر طبيعي ومتوّقع. لكن ما قالوه عن الأغلبية الهندوسية لم يكن صائبا أبدًا. هم أخطأوا لأنّهم لم يعرفوا بأنّ جميع الهندوس لا يتورطون في مثل هذه الأعمال، ولأنّهم لا يعرفون ما الفرق بين الهندوسية والهندوتفا.
نتائج الانتخابات التي تجري في الهنّد قد تغيّر سياسة الحكومة داخليًا وخارجيًا، وهناك تناقضات اجتماعية وثقافية في الهند كما في مجال السياسة. وهنا، قد يريد القارئ والمشاهد العربي أن يعرفها أيضا، لكن الهند ليست في خريطة الإعلام العربي، ولهذا يتعثر العالم العربي في فهم ما يحدث في الهند اليوم، كما تنهار العمارة الإسلامية في الهند.