لبنان... وأخلاقيات الإعلام الغائبة

29 اغسطس 2022
+ الخط -

استخدم العرب والأوروبيون العديد من المصطلحات لوصف الصحافة بأشكالها المختلفة، فعند دخول الصحافة لأول مرة في مطلع القرن التاسع عشر كان يُطلق عليها لفظة "الوقائع" نسبة للمهام المنوطة بهذه المهنة التي تقوم على جمع وتحليل الأخبار ونقلها للجمهور بعد التحقق من مصداقيتها، وغالباً ما تكون هذه الأخبار مرتبطة بمستجدات الأحداث باختلافها.

مما لا شك فيه ارتباط استخدام لفظة "الوقائع" بأصل عمل المهنة بالنقل الواقعي دون أي تزييف أو تحريف أو استغلال، وهذا ما شكل الأخلاق الإعلامية، علماً أنه ليس بجديد فهو رافق مهنة الصحافة منذ نشأتها وتطور معها عبر المراحل زمانياً ومكانياً، حيث قفز الى الواجهة في أوروبا بعد إعلان ميونخ الذي صدر سنة 1971 مستوحياً بعض بنوده من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 ومن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر سنة 1966، والذي يؤكد على الصحافي بواجب التزام الحقيقة مهما كانت النتائج المُترتبة على كشفها، وذلك لحق المجتمع في معرفة الحقيقة، كما اعتبر أن قبول الرشاوي بأي شكل كانت من الأخطاء الفادحة للمهنة (بعض بنود الإعلان).

وتنطبق هذه الأخلاقيات على المهنة الإعلامية ومؤسساتها، سواء في الصحافة المكتوبة، أو المرئية والمسموعة، أو الإلكترونية التي باتت تشكل وسائل إعلام جديدة مع تطور شبكات الاتصال والإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، وما يعرف اليوم بالإعلام الرقمي، الذي يعتمد على الدمج بين وسائل الإعلام التقليدية والرقمية بهدف إيصال المضامين المطلوبة بأشكال متمايزة ومؤثرة بطريقة أكبر، وتتيح الساحة الرقمية وتحديداً منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها للإعلاميين فرصة كبيرة لتقديم موادهم وآرائهم الإعلامية رقمياً من جهة وسرعة الانتشار من جهة أخرى.

جزء كبير من الإعلام اللبناني وإعلامييه، يشكلون عنصراً أساسياً في منظومة الفساد التي تحكم لبنان منذ أكثر من 30 عاماً

تاريخياً أطلق على الإعلام مصطلح "السلطة الرابعة" نظراً للدور الفاعل الذي يلعبه في تعميم المعرفة والتوعية فضلاً عن التأثير العميق في أفراد المجتمع وخلق الرأي العام الذي يمتد تأثيره إلى العملية الديمقراطية، وعندما نتكلم عن الإعلام نقصد المؤسسات الإعلامية والإعلاميين.

يقول مالكوم إكس: وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض، لديها القدرة على جعل الأبرياء مذنبين وجعل المذنبين أبرياء، وهذه هي القوة، لأنها تتحكم في عقول الجماهير.

في لبنان ينطبق هذا الأمر حيث غابت القيم الأخلاقية بشكلٍ كبير لدى القيمين على المؤسسات الإعلامية والإعلاميين، فنحن أمام رشاوى مادية ومعنوية، إضافة إلى غياب المبادئ الأساسية للتعاطي الأخلاقي مع الجمهور والخبر، وطغيان المصلحة الشخصية والسعي للمكاسب النفعية أضف إلى ذلك أخطاء مهنية لا تعد ولا تحصى، فبدلاً من أن يكون دور الإعلام المساهمة في عملية نمو وتطوير المجتمع والتصدي للمظاهر التي تعترض طريق هذا التطور، ومحاولة الوصول إلى الحقيقة كاملة وإيصالها إلى الجمهور وممارسة الدور الرقابي على المؤسسات العامة والتصدي لمظاهر الفساد والتنقيب عنها وكشف الإنحرافات اللا أخلاقية واللا قانونية وملاحقة وفضح الجرائم وحالات استغلال السلطة، باتت تطبق ما قاله مالكوم بجعل المذنبين أبرياء، لا بل تفوّقت على ما قاله بجعل المذنبين أبطالاً..

فعند كل استحقاق انتخابي في لبنان يخرج علينا بعض الإعلاميين أو وسائل الإعلام، ليحدثوننا عن أخلاقيات بعض قيادات المنظومة السياسية وشيمهم وصفاتهم.. عن أي أخلاقيات تتحدثون؟ عن قيادات لطخت أيديها بدماء اللبنانيين؟ أو كانت سبباً في سرقة ودائعهم؟ أو من مارسوا البلطجة والمحاصصة وكانوا سبباً بهجرة آلاف اللبنانيين؟

وفي مراجعة للأحداث في لبنان، فإننا نرى نفس هذه الوجوه الإعلامية في المقدمة عند الحديث عن قضايا الناس وأوجاعهم مستغلين هذه المصائب فقط لإبراز أنفسهم وكسب التأييد الجماهيري، فكلما اتسعت دوائرهم الجماهيرية، زادت تقديمات القيادات السياسية الذين يعملون لديهم أبواقاً.

من المؤسف القول إن جزءا كبيرا من الإعلام اللبناني وإعلامييه، يشكلون عنصراً أساسياً في منظومة الفساد التي تحكم لبنان منذ أكثر من 30 عاماً، فهم يقتاتون منها مادياً ومعنوياً، وهي تستمر وتثبت بهذا الدعم، بعد أن كان للإعلام اللبناني دور رئيسي في تاريخ لبنان ونهضة العالم العربي.

نختم بالقول الشهير لفيكتور هوغو الذي  قاله في خطابٍ له في يوليو/تموز من العام 1850: "بما أننّي أريد السيادة الوطنية في كل حقيقتها، فإنني أريد الصحافة في كل حريتها".

راغب ملي/ فيسبوك
راغب ملي
مدير الاتصال الرقمي في مركز أبحاث الحكومة الإلكترونية، كاتب وباحث ومتخصص في مجال إدارة مواقع التواصل الاجتماعي.