كيف يُطيل الحوثي أمد مشروعه؟

29 ديسمبر 2024
+ الخط -

يُتقن زعيم جماعة "أنصار الله"، عبد الملك الحوثي، لعبة الرمزية، إذ يدرك أنّ القوّة الحقيقية لا تُقاس بالانتصارات العسكرية فقط، بل بالقدرة على صياغة صورة ذهنية تُلهب العواطف وتخدع العقول. وفي هذا السياق، يكون الصراع مع إسرائيل، بالنسبة له، ليس مواجهة حقيقية بقدر ما هي لوحة يُرسم فيها بطلًا مقاومًا، مستفيدًا من الرصيد العاطفي المُرتبط بقضية فلسطين. هذه الحقيقة يجهلها المواطن العربي، ويجهل أنّ الحوثي يستخدم هذه الرمزية لتمديد نفوذه، أو بالأصح تأجيل سقوطه على حساب معاناة اليمنيين.

من ناحيةٍ أخرى، يُراهن الحوثي على محدودية الردّ الإسرائيلي. فهو يعلم أنّ إسرائيل لا تمتلك القدرة الجغرافية أو الاستخباراتية لتوجيه ضربات موجعة تُهدد قياداته مباشرة. وهذا الرهان يمنحه مساحة آمنة ليصنع "معركة محسوبة" تُثير الرأي العام دون أن تُهدّد بقاءه فعليًا. إنها مواجهة صاخبة بلا تكلفة حقيقية، تُبقيه في دائرة الضوء كخصم "صامد" دون أن تتجاوز المظاهر.

والأذكى في هذه اللعبة يتمثل بكيف يُربك الحوثي خصومه. فالمواجهة مع إسرائيل تجعل أي تحرّك عسكري من قبل الشرعية اليمنية أو المملكة العربية السعودية يُفسّر على أنه اصطفاف ضدّ "المقاومة"، في مشهدٍ عبثي يقلب المعايير ويُحرج الجميع أمام الرأي العام. وهنا، الحوثي لا ينتصر، بل يُعطّل خصومه، ويستفيد من الفجوة الزمنية لتثبيت أقدامه.

مواجهة صاخبة بلا تكلفة حقيقية، تُبقي الحوثي في دائرة الضوء كخصم "صامد" دون أن تتجاوز المظاهر

لكن المفارقة الكبرى ليست في الحوثي وحده، بل في الشرعية اليمنية التي تبدو وكأنّها شريك غير مقصود في تعزيز صورته. عجزها عن تقديم نموذج جذاب أو قيادة حقيقية يجعلها تبدو دائمًا ردّ فعلٍ باهتا أمام كلّ خطوة يخطوها الحوثي. وهكذا، فإنّ الفراغ الذي تتركه الشرعية يُملأ بتوسّعات الحوثي، الذي لا يُفوّت فرصة لتحويل الفوضى إلى أداةٍ لبناء سلطته.

في العمق، هذه ليست مجرّد مواجهة سياسية أو عسكرية، بل هي معركة على الرمزية والشرعية. الحوثي يُعيد تدوير شعاراته الفارغة وضرباته لإطالة أمد مشروعه، بينما الشرعية تضيع في متاهات التردّد والفساد. أما الخلاص الحقيقي، فهو في العودة إلى الجذور: مشروع وطني حقيقي يتجاوز الشعارات والمظاهر ليعيد للشعب اليمني ثقته في دولته ومستقبله.

سامي الأشول
سامي الأشول
سامي الأشول
صحفي ومدير تحريرسابق في وكالة الأنباء اليمنية "سبأ".
سامي الأشول