كيف نفهم الموقف المصري من المصالحة الخليجية؟
أوفدت القاهرة وزير خارجيتها سامح شكري للمشاركة في أعمال القمة الخليجية الـ41 التي احتضنتها مدينة العلا السعودية في 5 يناير/كانون الثاني 2021، والتي تم خلالها الإعلان عن إنهاء الحصار الذي فرضته كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر في يونيو/حزيران 2017، وتم الإعلان أيضاً عن عودة العلاقات الكاملة بين دول الحصار وقطر، ولتقوم القاهرة بفتح أجوائها أمام الطائرات القطرية، وسبق أن أبدت القاهرة ترحيبا حذرا بجهود حل الأزمة، مشددة في الآن ذاته على مطالبها السابقة. وهو ما يدفعنا إلى وصف الموقف المصري من تلك المصالحة بـ"الموافقة الحذرة" أو "المشاركة المتحفظة".
شاركت مصر في القمة الخليجية ولم تتغيب عنها، على الرغم من وجود تقارير إعلامية قبيل انعقاد القمة كانت ترجح تغيب القاهرة عن المشاركة بالقمة..
وتمكن الإشارة إلى مجموعة من الأسباب والدوافع التي تقف خلف القرار المصري بالمشاركة في القمة، منها:
1- أن التقارب مع قطر يأتي في سياق التحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتي تهدف إلى تبريد الملفات الساخنة استعدادا لتولي الرئيس الأميركي جو بايدن الحكم. ومن هذه التحولات؛ تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وتصريحات الغزل التى يطلقها الرئيس التركي أردوغان للتقارب مع إسرائيل، وأخيراً التقارب بين مصر وتركيا في الملف الليبي.
يمكن القول أن الانفتاح المصرى على قطر سيكون بشكل جزئى وتدريجى، بحيث يتم التركيز أولاً على القضايا الثنائية الأقل خلافاً مثل فتح الخطوط الجوية
2- وجهة نظر السيسي أن ما يحدث ليس أكثر من هدنة مؤقتة تحقق أغراض الرياض المرحلية، لكنها لن تستمر طويلاً، فولي العهد السعودي محمد بن سلمان لديه رغبة في وقف أي معارضة قد تعرقل وصوله إلى حكم المملكة خلال المرحلة المقبلة، ولذا سعى إلى فتح صفحة جديدة، ليس مع أمير قطر الشيخ تميم فقط، بل أيضاً مع إدارة جو بايدن.
3- أن تلك المصالحة تأتي برغبة أميركية، وهو ما ظهر في مشاركة صهر ترامب "جاريد كوشنر" في حفل التوقيع في السعودية، حيث ترغب إدارة ترامب في هندسة مثل هذا التقارب لاعتباره إنجازًا لسياسة ترامب في الشرق الأوسط، كما يسعى ترامب في هذا التوقيت إلى تعزيز الحلف الذي عملت إدارته على تأسيسه، في إطار استعداداتها لتوجيه ضربات إسرائيلية أميركية مشتركة لمنشآت نووية وبنى تحتية إيرانية قبل ترك ترامب لمنصبه، كما أنها قد تكون مقدمة لتطبيع جماعي لمجلس التعاون الخليجي مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي.
4- رغبة القاهرة فى جذب مزيد من الاستثمارات الخليجية والقطرية، خاصة بعد تراجع الدعم المالي الذي كانت تقدمه دول الخليج والدول الأوروبية، بجانب معاناة الاقتصاد المصري في ظل أزمة كورونا. وفي إشارة إلى تصاعد التعاون الاستثماري بين الدوحة والقاهرة خلال الفترة القادمة، فقد افتتحت شركة الديار القطرية فندق سانت ريجيس المملوك لها بالكامل في القاهرة، بحضور كل من علي شريف العمادي وزير المالية القطري، وستيفن منوشين وزير الخزانة الأميركي، ومحمد معيط وزير المالية المصري.
كما تركز القاهرة بصورة رئيسية على فتح خطوط الطيران الجوي لتعويض الخسائر الاقتصادية التي تكبدها قطاعا الطيران والسياحة، فضلاً عن السماح بعودة العمالة المصرية إلى قطر من أجل إعادة نشاط تحويل الأموال. ومن الجدير بالذكر هنا، أن إحراز تقدم في الملف الاقتصادي قد يكون تعويضاً مناسباً عن بعض المطالب المصرية التي سبق أن طُرحت خلال مفاوضات حل الأزمة، ومن بينها الحصول على تعويضات مالية جراء ما تعتبره مصر "مشاركة قطر في دعم وتمويل الأنشطة الإرهابية التي قامت بها مجموعات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين تحديداً، على مدار السنوات الثلاث الماضية".
إلا أن المشاركة المصرية في القمة الخليجية قد جاءت متحفظة، وهو ما ظهر في مشاركة وزير الخارجية بدلاً من رئيس الجمهورية، وظهر ذلك أيضاً في مغادرة شكري فور انتهاء الاجتماعات الأولية، من دون أن يشارك أو يظهر في أي فعاليات أخرى. ويرجع التحفظ المصري إلى مجموعة من الأسباب منها:
1- أن اتفاق المصالحة لم يكن نتاجًا لاستجابة الدوحة للمطالب الـ13 التي وضعتها دول المقاطعة لاسترجاع العلاقات مع قطر، فوفقا لما نقلته صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن مسؤول في إدارة ترمب، مُطّلع على كواليس مفاوضات اتفاق المصالحة الخليجية، قال إن رباعي دول الحصار قد وافق على التخلي عن قائمة الـ13 شرطاً، التي قدمها لقطر في بداية الأزمة عام2017، والتي كان من بينها؛ الحد من العلاقات مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية على أراضيها، وإغلاق قناة الجزيرة، وقطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين.
أما المقابل الذي قدمته قطر، بحسب الصحيفة الأمريكية، فهو الموافقة على تجميد الدعاوى القضائية التي رفعتها الدوحة ضد دول الحصار، سواء الدعاوى المرفوعة في منظمة التجارة العالمية، أو حتى في مؤسسات أخرى.
أكثر من ذلك، فإن تلك المصالحة قد تدفع قطر نحو السير على نفس الخطى السابقة، والتي دفعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى اتخاذ قرار المقاطعة ضدها في يونيو 2017، وهو ما ظهرت أولى مؤشراته فى تأكيد وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، "أن المصالحة لن يكون لها أي تأثير على علاقتنا مع أي دولة أخرى"، في إشارة إلى العلاقات مع كل من تركيا وإيران، التي كانت تطالب دول الحصار الرباعي قطر بقطعها.
2- تخوف القاهرة من أن يكون هذا التقارب تمهيداً لإجراء ضربة عسكرية ضد إيران، خاصة في ظل التصاعد السريع للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران، لا سيما في العراق واليمن، حيث تصاعدت المخاوف من صدام عسكري في الأيام الأخيرة لترامب في محاولة لعرقلة المبادرات الدبلوماسية مع طهران من قبل إدارة بايدن.
وقد تزايد هذ التخوف مع قيام الولايات المتحدة مؤخرًا بتعزيز قواتها في المياه القريبة من إيران، بعد سلسلة من الهجمات الصاروخية التي شنتها المليشيات الموالية لإيران على أهداف أميركية في العراق. كما قامت إيران مرة أخرى بتهديد الملاحة الدولية من خلال الاستيلاء على ناقلة نفط كورية جنوبية بالقرب من مضيق هرمز.
وإجمالاً لما سبق؛ يمكن القول إن الانفتاح المصري على قطر سيكون بشكل جزئي وتدريجي، بحيث يتم التركيز أولاً على القضايا الثنائية الأقل خلافاً مثل فتح الخطوط الجوية؛ ووقف الإجراءات القانونية القطرية ضد مصر، لا سيما في ما يتعلق بالقيود المفروضة على العبور الجوي؛ وليتم الانتقال بعدها إلى المرحلة الثانية التي ستركز على القضايا الإقليمية الأكثر خلافاً، مثل علاقات قطر بكل من تركيا وإيران وجماعة الإخوان المسلمين.