كلب الست: من المسؤول؟
انتشر مند فترة خبر هجوم كلب على مواطن، ما أدى لتضرّر المواطن بشدّة. وحدث بعد ذهابه إلى المستشفى، أن تعرّض لضرر آخر، أدى إلى دخوله في غيبوبة تامة.
خبر مأساوي محزن بكلّ تأكيد، لكنه مكرّر ومتكرّر وليس الأول من نوعه، فما أكثر الحوادث التي يتعرّض لها العشرات يومياً. ولكن، ما استرعى انتباهي، لم يكن بدوره شيئا جديدا، أو غير معتاد، وأعني بذلك اهتمام الناس بنوع الكلب، وما يمكن أن يسبّبه من أضرار وإصابات، والبحث عن طريقة للقصاص من الكلب شخصياً لأنه المسؤول الأول والأخير عمّا حدث!
"الكلب هو الذي هاجم الشخص"، "الكلب هو الذي سبّب الإصابات"، "الكلب هو الذي تصرّف بناء على قراره ولم يحثه أحد على الهجوم!"... هذا ما تداوله البعض، وعليه ظهرت فئة (ليست الأولى من نوعها أيضاً)، تطالب بمحاسبة الكلب، والكلب فقط، على ما حدث لأنّه تصرّف بدون الرجوع لأحد.
ذكرني كلّ هذا بفقرة من رواية "الهؤلاء" للكاتب مجيد طوبيا، حيث هجم كلب على بطل القصة في أحد الأقسام أثناء عرضه على الكلاب المدربة، ليظنّ الشخص أنّ الكلب تعرّف عليه كأحد المتهمين. بعد لحظات، شرح له المسؤول عن الكلب، أنّ الكلاب هنا مختلفة تمام الاختلاف عن أيّة كلاب قد سمع عنها في حياته من قبل.
الكلاب هنا تقوم بالهجوم على الأبرياء فقط مما يسهّل عمل من في القسم، وسبب الاختلاف أنّ المعروضين هنا غير كلّ المعروضين في أيّ قسم آخر، فلا يمكن أن تنتظر نفس النتيجة، أو تفهم ما نقوم بعمله هنا. نحن فقط مختلفون، وهذا كلّ ما يجب عليك فهمه.
نحن لا نفعل شيئاً سوى تكرار أخطاء من سبقونا وتكرار التبرير لكلب الست
في تلك الفقرة، كان مصير البطل متعلّقاً بالكلب، سواء بالتعرّف عليه أو بعدم التعرّف عليه على حسب تدريب الكلب، المهم أنّ مستقبله وحاضره أصبحا متعلقين بكلب، كما هو الحال مع صاحبنا المصاب ومن شابهه.
بالتأكيد، لن ننتظر من الأشخاص رأيهم لنحكم في ما حدث، ولن تقف الحياة لو كان رأي الأغلبية هنا أنّ الشخص لن يجد من يرجع عليه بالمساءلة القانونية لعدم أهلية الكلب، أو أنّ صاحب الكلب ضحية بدوره، لأنّه لم يصدر أمر الهجوم، فلم اللوم والتقريع؟ ناهيك بالمساءلة القانونية!
في الرواية، كان مصير البطل معلّقاً بمجموعة مختلفة من الكلاب درّبها أشخاص على أفعال معينة، هي التي ستحدّد مصير من يتعامل معها.
وفي الحقيقة، مصير المصاب وغيره معلّق بكلب، جلبه شخص أو مجموعة، وقرّروا أنّه لا داعي لتدريبه أو تأمينه أو أيّ شيء يمنع حدوث ما حدث. الكلب هو الذي هجم وقرّر في كلّ الحالات، لكن الكلب ما هو إلا أداة في يد البعض، أو حيوان لا يفقه شيئاً في يد البعض الآخر، وفي كلّ الحالات المسؤول الأول والأخير، هو نحن، ونحن لا نفعل شيئاً للأسف، سوى تكرار أخطاء من سبقونا وتكرار التبرير لكلب الست كما سبق، وحدث مع كوكب الشرق أم كلثوم وكلبها.