كراسي المونة

12 مايو 2024
+ الخط -

يمتاز شهر أيار/ مايو من كل عام بنشاط تمويني محموم، إنّه فعلياً الموسم الأكثر وفرة من الخضراوات التي يلجأ السوريون إلى حفظها مؤناً للعام القادم. ويمكن وصفه بأنه الشهر الأكثر إشغالاً للنساء لتحضير المونة القادمة. كما أن الثلاجات والمؤن القديمة تكون قد نفدت مما يعني ازدياد ضغط العمل لتحضير الطعام المطهي بحسب مسارين، أولهما التأمين الفوري أو الحالي واليومي، عبر شراء الثوم مثلاً أو إعداد الخضار الطازجة الموسمية للوجبات العائليّة اليوميّة خلال موسمها الحالي، والمسار الثاني هو حفظها للعام القادم وربما يكون التحضير والتخزين لعامين متتالين، خاصة بعد اللجوء إلى المونة بواسطة قطرميزات الضغط أو العبوات الزجاجية والبلاستيكية لذلك.

السمة المرافقة لهذا الموسم هو كرسي بلاستيكي مركون على زاوية محال بيع الخضار تشغله سيدات متعاقدات مع صاحب المحل لإعداد كميات المؤن المطلوبة وأشكالها. ولكن تكون وضعية الكرسي مرتبة بصورة معاكسة حتى لا يكون وجه السيدات اللاتي يعملن بتحضير المؤن مقابل أجر محدد من صاحب المحل مكشوفاً للعامة! بمعنى متعارف عليه يتم جلوس النساء عليه ووجوههن مقابل الحائط طلباً لخصوصية تحبذها السيدات ويراعيها صاحب المحل والزبائن أيضاً.

بالتأكيد، بوسع الجميع رؤية العاملات الموسميات ووجوههن وأياديهن المتعبة تنشغل بالتحضير والإعداد بنشاط ينبغي أن يكون سريعاً وأنيقاً ونظيفاً، مثل فرط الفول الأخضر والبازلاء وتقشير الثوم الطازج وتقشير نبات الأرضي شوكي، بالإضافة إلى حفر الكوسا والباذنجان، وصولاً إلى تقطيع البقدونس والأعشاب الخضراء للاستعمال الفوري مثل النعناع والبقلة وسواها.

قد يقول البعض إن هذا العمل بات شبه دائم، لكن الفرق هنا هو الكميات المطلوب تحضيرها، لأن الشراء يكون في الأساس بالكرتونة أو بالقفص أو بوحدة العشرة كيلو وليس بالكيلو الواحد.

تتقاضى النساء العاملات في تحضير الخضار وتجهيزها أجوراً ضئيلة غير كافية لتأمين دخل مناسب لهن ولعائلاتهنّ، خاصة أن غالبيتهن معيلات لعائلاتهن

وعادة اشتغال النساء السوريات بتحضير المؤن عادة قديمة، لكنها كانت تتركز في بيوتهن، واليوم وبسبب بُعد المسافات وارتفاع أجور النقل بصورة كبيرة وتراجع الكميات المطلوبة للتحضير بسبب ارتفاع الكلفة وتضاؤل عدد العائلات بسبب سفرٍ أو هجرة عدد كبير من أفرادها، بات من المتعارف عليه نزول النساء شخصياً إلى الأسواق لممارسة هذا العمل، ومن الطبيعي أن نشاهد امرأة وابنتها أو عدة سيدات يخترن زاوية محددة منتظرات العمل الذي سيكلفهن به أصحاب محال بيع الخضار، أو ربما تقوم بعض السيدات المتسوقات بتكليف إحداهن بتحضير كمية قليلة وسريعة لوجبتها اليومية.

تتقاضى النساء العاملات في تحضير الخضار وتجهيزها أجوراً ضئيلة غير كافية لتأمين دخل مناسب لهن ولعائلاتهنّ، خاصة أن غالبيتهن معيلات لعائلاتهن وربما لعوائل أبنائهن أو إخوتهن أيضاً، لكن ورغم انخفاض الأجور إلا أن كلفة المواد المحضرة باتت ثقيلة على جيوب السوريين والسوريات مما فرض تخلي الكثيرات عن اللجوء إلى العاملات لتأمين طلباتهن، وشكّل ارتفاع الأسعار مهمة ثقيلة ومجهدة على السيدات اللاتي تتوسع دائرة عجزهن المالي وتتناقص فرص استفادتهن من الخدمات اليومية مهما كانت بسيطة.

 جاء الأسبوع الماضي من شهر أيار بفاجعة كبيرة سببها البَرَد المتساقط بغزارة وفي غير موسمه على المحاصيل خاصة الفاكهة والخضروات الصيفية، والأهم هو محصول ورق العنب الذي تلف تماماً لدرجة أن تعويضه ببزوغ جديد يحتاج إلى مدة طويلة مما يعني القضاء نهائياً على واردات الوجبة الأولى منه. وتلفه لا يسبب خسارة لمالكيه فقط، بل للنساء اللواتي يعملن مقابل أجر في قطافه وفي ترتيبه وتطبيقه تحضيراً لإرساله إلى الأسواق أو لبيعه مباشرة للعائلات التي لا تملك أشجار العنب في أراضيها.

كراسي المونة تعني المباشرة لأعمال موسمية، لا تغني ولا ترد الجوع، لكنها تلك البحصة التي تسند الجرّة كما يقال، وهي فعليّاً موسم جديد من الشقاء كما أنه موسم جديد من الخيرات.

سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.