قهوة مثلجة
كنت في السابق أفضِّل شرب القهوة شتاءً، ولا أتوانى عنها في باقي فصول العام، لكن إذا حلّ الصيف أنفر من سخونتها. القهوة لا تُشرب إلا ساخنة؛ فإن بردت فقدت هيبتها، لأنّ جزءاً كبيراً من لذتها يكمن في لسعها الذي يصعب الاستمتاع به وسط لسعات حرارة الصيف، لذا كنت أحياناً أُعوضها بالآيسكريم أو الحلويات بنكهة القهوة.
مؤخراً، بدأت أتقبّل القهوة المثلجة، إذ أضافت لها حبّاً منعشاً؛ فإضافة للمزاج الذي تضفيه القهوة إلى يومي، صارت تُضفي انتعاشاً أعفاني من هجرها النسبي في الصيف، كما صرت أُبحر في تأملات رومانسية، تشير إلى أنّ من ابتكر القهوة المثلجة ربّما كان عاشقاً مخلصاً، رقيق القلب، عذب المشاعر، لم يطق فراقها في الصيف، أو ربّما كان يحاول أن يقنع حبيبته بشربها معه في الصيف، فابتكر الثلج ليدللّها ويحميها من حرارتها. لا بدّ أنه كان حنوناً حدّ عطفه على حبيبته من تلك اللسعات والاكتفاء بالمزاج... وبقيت هكذا (أسرح مع خيالي حولها) حتى عرفت أنّ من اخترعوا القهوة المثلّجة لم يكونوا سوى جنود فرنسيين في حربهم في الجزائر، فانقطعت حبال رومانسيتي وخاب خيالي من شراسة المعلومة!
قرأت أنه في الجزائر تمّ تقديم أوّل قهوة مثلجة تُعرف باسم Mazagran في عام 1840، وذلك عندما أضافت القوات الفرنسية المتمركزة في قلعة Mazagran الماء إلى القهوة لصنع مشروب بارد يمكن أن يقي من التعب وحرارة الصحراء، وسرعان ما وجد مزيج المرطبات الرائع هذا مع الكافيين تفضيلًا بين الجنود الفرنسيين، إلى درجة أنهم أعادوا "المفهوم" إلى الوطن بعد عودتهم، وهكذا بدأوا في علاقة حبّ عالمية دائمة مع مشروبات القهوة المبرّدة. ومن هنا، جاءت تسمية القهوة المثلجة بالقهوة الفرنسية، والتي صرتُ أسميها "القهوة الحربية"، وعظم الله أجري في أحلامي الرومانسية!
الطريف أنّ هذا كان أوّل طريق للذهاب بهيبة القهوة، ومدخلاً للتفنّن في استخداماتها، وسلسلة العبث بها، حتى أضيف لها الحليب، والسكر، والكاكاو والكراميل. وفي بعض الوصفات، صارت القهوة مجرّد نكهة خفيفة ضمن مشروب آخر ينتحل اسمها. وهكذا وضع الأستراليون المشهورون بحبّ القهوة لمستهم الخاصة من خلال إضافة نكهات مثل شراب الفانيليا أو الكراميل، ويتكوّن مشروبهم المفضّل عادة من قهوة مبرّدة ممزوجة بالحليب أو الكريمة.
في بعض الوصفات، صارت القهوة مجرّد نكهة خفيفة ضمن مشروب آخر ينتحل اسمها
فيما لكندا تجربة فريدة من نوعها مع القهوة المثلجة؛ فغالبا ما يتم الاستمتاع بها مع لمسة إضافة النكهات الحلوة مثل شراب القيقب أو حتى القليل من الفانيليا. أما الألمان، فلديهم القهوة الفريدة الخاصة بهم، من خلال إضافة آيس كريم فانيليا أو كريمة مخفوقة إلى المشروب البارد للحصول على لمسة من التساهل. خيار آخر شائع في ألمانيا هو القهوة المثلجة التي تجمع بين القهوة المخمّرة والحليب ومغرفة آيس كريم الفانيليا.
فيما اشتهرت إيطاليا بثقافة القهوة الغنية الخاصة بها، وتتمتع بطابع فريد من نوعه للقهوة المثلجة، حيث نجد نوعًا شائعًا يسمى "قهوة شاكيراتو"، وهي مصنوعة بطريقة الاهتزاز، من خلال وضع إسبريسو ومكعبات ثلج في "شاكر كوكتيل"، لتهتز معاً حتى يصير المشروب رغواً، والنتيجة هي المشروبات المبرّدة والمنشطة، وهذا مثالي لأيام الصيف الدافئة. نوع آخر شائع في إيطاليا هو Affogato، التي تعني حرفياً "غرق" باللغة الإيطالية، وهي تتألف من "مغرفة" من جيلاتي كريمي أو آيس كريم فانيليا تصدرت لقطة إسبريسو ساخن، مزيج من الحلاوة الباردة من الجيلاتي وجرأة الإسبريسو يخلقان متعة ممتعة على مدار السنة.
لم يحرم الآسيويون القهوة من لمساتهم الحادة، فقدّمت اليابان مجموعة من إبداعات القهوة المثلجة مثل القهوة المبردة أو المعلبة. وأماّ النيوزيلنديون فهم يعشقون القهوة السوداء الطويلة المثلجة التي تسمّى "المامبا السوداء". وفي تايلاند، هناك قهوة "أوليانج" التقليدية، وهي تأتي محلاة ومُشبعة بالتوابل.
أرأيتم كيف تآمر عشاق القهوة على تجريدها من هيبتها؟!