قمة العرب... لم شمل ما لا يُلّم
يحلم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون بلمّ شمل العرب في القمّة العربية الحادية والثلاثين التي تقام هذه الأيّام على أرض الجزائر. وفي الحقيقة، فإنّ حلم تبّون قد يصلح لكلّ شيء إلا للملمة الجسد العربي. فهذه القمة التي جاءت متثاقلة بعد ثلاث سنوات من القمة الثلاثين التي أجريت في تونس، تحمل في طياتها كلّ التناقضات العربية التي لا يمكن أن يجمعها هذا الواقع الراهن، وهكذا أنواع من الحكم والحكّام.
أولاً، لم يحضر كلّ القادة العرب للجزائر، غاب عاهل المغرب، وولي العهد السعودي، والعاهل الأردني، وأمير الكويت، ورئيس الإمارات، وملك البحرين، وسلطان عمان ورئيس لبنان الشاغر كرسيه في بلده. وربّما لو تعمّقنا في فهم الخيط الناظم ما بين أغلب الغائبين، فقد نشتم رائحة الشرق الأوسط الجديد ومن يديره، ونشتم رائحة النفور من حضور حركة حماس وما قد تفيدها المصالحة الفلسطينية، في ظلّ سلطة فلسطينية تتآكل وهي توغل في التطبيع مع الكيان الصهيوني منذ اتفاق أوسلو إلى الآن، دون أن تربح شبراً واحداً من وطنٍ يُسرق ويخطف ويفتك به في كلّ لحظة.
ومن بين الحاضرين من القادة، سيظلّ موقف الجزائر ومصر حول الجامعة العربية وسلطتها متبايناً. فكيف ستشفع مصر للجزائر منذ سنة 2005، وقد حاولت أن تعيد تشكيل وترتيب بيت الجامعة، فلا إقامة دائمة في القاهرة، ولا رئيس دائم من القاهرة، كلّ العرب سواسية. فشلت الجزائر منذ ذلك في هذا التغيير النوعي في البيت العربي، إلا أنّ مصر تصرّ على أن يكون قرار الجامعة والقمة قراراً قاهرياً. فكيف ستسمح مصر لتبون بوضع يده على القضية الفلسطينية كي يحقّق إنجازاً بإمضاء جزائري؟ ولو حصل فستخسر مصر نقطة، ويصعد نجم الجزائر في العقل الشعبي العربي، وهو أمر لن يحصل، ولن تحصل المصالحة الفلسطينية إلا بشروط مصرية، الشروط التي تضمن وضع اليد على ما تبقى من فلسطين المحتلة من طرف عباس ومساعديه وحكومته. فمصر لا تعترف بحماس، فهي بالتزامن مع القمة تناقش غاز غزة مع السلطة الفلسطينية، وكأنّ أهل حماس ليسوا موجودين.
تحمل القمة في طياتها كلّ التناقضات العربية التّي لا يمكن أن يجمعها هذا الواقع الراهن، وهكذا أنواع من الحكم والحكّام
وما بين القادة الغائبين والحاضرين يظلّ الجسم العربي عصيّا على "اللملمة". فلا الدولة الواحدة متماسكة، ولا رابط بين كلّ الدول. ليبيا وحدها قضية عربية كبرى، فمن يلم شمل أرضها وأهلها؟ اليمن جسم تقطعت أوصاله ولن تلمه خطابات ثرثرة. ولبنان من يعيد لأهله البوصلة ويحمي بلادهم من الانقسام؟ وتونس من يعيد لرئيسها رشده فيجمع أهل الوطن دون أن يفرقهم؟ والعراق من يحدّد هويته: كردي أو سني أو شيعي؟ بل ومن يقنعهم بأن المواطنة أولى للتعايش والتقدم! والسودان من يقنع القوّة الصلبة بأنّ السلاح لا يحلّ مشاكل أهل الوطن الواحد؟ والصومال من يمنع سكانه من نشر الموت الغادر؟ ومن يحلّ مشكل الصحراء فيتآخى المغرب مع الدولة الداعية للمّ الشمل؟
كلّ الدول العربية، دون أي استثناء، تعاني مشكل حكم، نتج عنه تقاتل بين أهل البيت الواحد، وهشاشة اقتصادية تعاني منها كلّ البلدان وأدّت إلى جمهور من المطحونين، يتهدّدهم الجوع في القادم المنظور.
قمة العرب هذه لن تكون أبداً قمة لمّ الشمل، لأنّ لمّ الشمل لم يعد ممكناً بين دول العرب، حيث إنّ المتغيرات العالمية توحي بانفجار للجياع العرب، الذين فشل حكامهم في صناعة العدل، وتكريس الحرية، وتحقيق النمو الاقتصادي، والاكتفاء الذاتي. فمنذ الربيع العربي عام 2011، اكتشفت الشعوب العربية أنها لا تقف على خراب، ولا تنتمي إلى أوطانها، أوطان الحكام، لهذا يموت الكثير في البحر هرباً من شبح الجوع والحكّام... والباقون سيهدمون ما تبقى من أوطانهم إلى أن يقتنعوا بأنّ لا شيء يلّمهم سوى الحرية، والعدل، والمساواة والحكم الرشيد، والديمقراطية.
عفواً تبون، نعلم جيداً بأنكم تعلمون أن هذا الجسم العربي المثخن بالفوضى لن يُلمّ بهكذا أشكال من الحكم والحكّام، ونعتقد أن شعار "لمّ الشمل" لم يكن سوى تكتيك سياسي وراءه ما وراءه، وسنعرفه لاحقاً.