قليل من الدراما... كثير من التسوّل

14 مارس 2023
+ الخط -

أيام قليلة تفصلنا عن شهر رمضان المعظّم، وكما جرت العادة ينشط في هذا الشهر عرض المسلسلات. وهذا العام، هناك أكثر من ثلاثين مسلسلاً مصرياً، إلى جانب الإنتاج السوري والخليجي. وبعيداً عن كون الشهر الكريم شهر عبادات وروحانيات، ولا علاقة له بهذا الكم الإنتاجي الضخم، ولا ندري سبباً لتركّز السباق الدرامي المحموم في هذا الشهر تحديداً، ولكن مؤخراً، ومنذ عام 2013، دخل عنصر آخر منافس وبقوة للمسلسلات الدرامية، وهي إعلانات التبرّع. فبعدما أُطلق على شهر رمضان "شهر المسلسلات"، أصبح شهر التسوّل الفج، إذ بتنا نشاهد الكثير من إعلانات التبرّع، أو للدقة التسوّل، يتخللها بعض المشاهد الدرامية. 

في السابق، كانت أغلب إعلانات التبرّع عن مستشفى 57357، ومعها جمعيتا الأورمان ورسالة، وإلى جانبها طاولت إعلانات التسوّل كلّ مناحي الحياة عند المصريين: تبرعات لتوصيل مياه شرب نظيفة، تبرعات لبناء أسقف المباني في القرى الفقيرة، تبرعات لبنك الطعام المصري، توفير كرتونة الطعام التابعة لجمعية مصر الخير، مستشفى علاج الحروق، مستشفى مجدي يعقوب لمرضى القلب من الأطفال، جمعية بيت الزكاة... وغيرهم. 

وفي تناقض عجيب وغريب، تنشط إعلانات خطوط الهاتف المحمول والمجمّعات السكنية الفخمة، وفي الحالتين تُهدر مليارات هي تكلفة الإعلانات وأجر المشاركين فيها، وكان أولى لو وُجّهت في مكانها الصحيح. 

هذا الكم الهائل من الإعلانات، والتي يشارك فيها فنانون، تغسل يد رئيس الدولة ووزرائه من مسؤولياتهم تجاه توفير أبسط حقوق المواطن المصري في كلّ بقعة من أرض الوطن، حيث تختفي المليارات وتتصدّر تصريحات قلّة الموارد وأننا "فقرا قوي"، بجانب اتهامات للشعب بأنّ سلوكه الإنفاقي والإنجابي هو سبب المشكلات، أو اتهامات لقوى الشر، داخلياً وخارجياً، وآخرها تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنّ المعاناة الاقتصادية الحالية لا هو ولا أيّ من وزرائه مسؤول عنها! بينما، في الوقت نفسه، تظهر نفس المليارات عند بناء القصور الرئاسية وشراء الطائرات الرئاسية، أو إهدارها في كم كبير من الطرق والكباري، قطار مونوريل، أو برج أيقوني، وأكبر مسجد وأكبر كنيسة... ومبانٍ أخرى خاوية على عروشها في العاصمة الإدارية الجديدة دون النظر لباقي المحافظات. وعلى الرغم من أنّ الضرائب وتحويلات المصريين تشكل المصدر الأكبر للدخل القومي، إلا أنّ الشعب لا يسلم من الهجوم والإهانة والمعايرة، وفق منطق المثل الشعبي "إديني حسنة وانا سيدك". 

طاولت إعلانات التسوّل كلّ مناحي الحياة عند المصريين

هذا الإهمال المتعمّد لحق الشعب في مياه نظيفة وأكل نظيف وعلاج، تسبّب في إغلاق فرع مستشفى 57357 في طنطا بسبب توقّف التبرعات!

في مقارنة فرضت نفسها منذ أربعين يوماً، ضرب زلزال قوي إحدى عشرة ولاية تركية والمدن السورية الحدودية، وتسبّب في خسائر بشرية ومادية بالمليارات، ورأينا كيف استنفرت الدولة بكلّ أجهزتها لمواجهة الكارثة، ولم تتخلف شركات الإنتاج الدرامي عن التفاعل، فقاموا بإرسال العربات المخصّصة للفنانين (كرافان) لضحايا الزلزال إلى حين توفير البديل، قبل أن تعود الكاميرات للدوران، إضافة لجهود الفنانين المنفردة، سواء بالمشاركة في عمليات الإنقاذ أو بالتبرعات، إضافة إلى جمعها، وفي نفس الوقت لم تتوقف المعارضة أو يتوقف الفنانون عن مساءلة رئيس الدولة وحكومته عمّا قُدّم للضحايا حتى اللحظة. 

الفرق شديد الوضوح بين دولة مؤسسات وديمقراطية، ودولة تتعامل مع شعب باعتباره "عبيد إحسان".

5561B2C3-AF42-4F3D-B8F3-FF483E70F8EC
صفية عامر

مهتمة بالشأن العام المصري والعربي والإسلامي. عاشقة للدراما التليفزيونية والسينما والنقد الفني، عاشقة لمرحلة كلاسيكيات السينما والأبيض والأسود. أهوى الشعر.