قشة الغريق (2)

قشة الغريق (2)

01 فبراير 2021
+ الخط -

يحكى أن فلاحا مصريا اسمه "خن-أنوب" تعرض للظلم في العهد الفرعوني، تقريبا في العام الثالث والعشرين قبل الميلاد، فكتب إلى الحاكم يشكو الظلم الواقع عليه من أحد النبلاء، وتعرف تلك البردية باسم الفلاح الفصيح.

دون الخوض في تفاصيل القصة، فقد انتهت بعودة الحق إلى هذا الفلاح وتعيينه مشرفا على الأراضي الزراعية. أطلق عليه الفلاح الفصيح نظرا لقوة خطابه إلى الحاكم، ومضت الأيام والسنين وتلك هي الفطرة البشرية السوية للمصري، إلا أنه مع تعاقب الأجيال والحكام تغيرت تلك الفترة، وأصبح الاستسلام التام للظلم الواقع هو الفكر السائد لدى العوام، إلا القليل منهم.

لو قامت الثورة من جديد هل سيخوض الثوار معارك جانبية بعضهم مع بعض؟!..

لكل زمان فرعون ولكل فرعون موسى، فقد ظل مبارك يطغى إلى أن ظن أنه لن يقدر عليه أحد، وحدث التغيير من قبل الشباب، الذين حاول جاهدا هو و نظامه أن يشغلهم بسوء المعيشة وأن يصور لهم الوطنية في مباريات كرة القدم وأن النصر العظيم هو كأس الأمم الأفريقية، ورغم هذا استفاق الجميع وتوحدوا بمختلف أيديولوجياتهم وأفكارهم، وحاولوا الإصلاح وتطهير جهاز الشرطة لتفشي ظلمه، وتطور الأمر بعد ذلك للمطالبة بإسقاط النظام.

إن ثورة 25 يناير لا تفارق خيال من عاصرها، وأظهرت عظمة هذا الشعب المكافح والمناضل من قديم الأزل، منذ القدماء المصريين إلى الفراعنة الجدد، ولن أسترسل في الحديث عن الثورة  وذكراها وقصصها وتلاحم أبنائها.

بل دعني أتحدث عما بعد التنحي والانقسام الذي حدث بين صانعي تلك الثورة، فهو السبب في ما نحن فيه الآن، فالصراع على السلطة والتحالفات مع المجلس العسكري الذي تهافت الجميع إلى التعاون معه، إلا قلة من المدركين لخطورته، وأنه هو الخطر الحقيقي على السلطة.

ومن باب الإنصاف.. فربما تم التلاعب بالقوى الثورية من قبل العسكر في مصر، وأنا هنا لا أقصد فصيلا بعينه، بل الحديث يشمل كافة الفصائل والقوى المصرية وقتها، ومن لم يسع للتعاون في البداية آل به الأمر في النهاية إليهم.

ولم يفطن أحد وقتها إلى خداع العسكر وتخطيطه منذ اليوم الأول لإفشال الثورة، وأعتقد بأن أول مسمار في نعش الثورة كان الوقيعة  بين التيار الإسلامي والقوى المدنية والتنازع الدائم، وبث فكرة سيطرة الإسلاميين على الثورة، و إشاعة أن القوى الليبرالية ستجعل مصر دولة مدنية علمانية -وهذا كان يثير حفيظة المتدينين-، وبدأت معركة جديدة تحكمها الأيديولوجية والتوجه الفكري والكثير من هذا الهراء الذي كان بمثابة الطعم الذي وضعه العسكر وابتلعه الثوار.

لو قامت الثورة من جديد هل سيخوض الثوار معارك جانبية بعضهم مع بعض؟!.. إن ظل الجميع ينكرون أخطاءهم، ويقومون بإلقاء اللوم بعضهم على البعض الآخر، فستتكرر تلك المأساة مرة أخرى، وسينتهي الأمر بسيطرة العسكر على السلطة، ولن يترك العسكر السلطة إلا بعد أن يتيقنوا من أن الشعب واع لخداعهم وظلمهم، وأنه يفضل الموت دون أن يستمروا في حكمه.. ولعل الشعب ينتفض قريبا.

في ذكرى الثورة، أجمل حدث في تاريخ مصر المعاصر.. لن أنسى من قدموا أرواحهم فداء لنا لنتمكن من العيش بكرامة تحت شعار ثورتنا (عيش - حرية - عدالة اجتماعية)، فالسلام  لأرواحهم الطاهرة. ولو كان الاعتذار يجدي نفعا، لاعتذرت للشهداء والمصابين وذويهم عما فعلناه جميعا بثورتنا! .. والسلام.

يتبع..

دلالات